مريض لا .. مسحور نعم !
بقلم: أ.محمد البلادي
من عجائب المجتمعات التي يسيّرها ويسيطر عليها العقل الجمعي ، أنها تُسلّم زمام أمورها – في الغالب – إلى سطوة العادات و التقاليد ، كونها تخشى النقد والتحليل والمراجعة .. لذا تستغرق تلك المجتمعات في المنقول والمأثور والمتوارث من القناعات المتدثرة بأردية دينية ؛ دون إعمال لأبسط أبجديات العقل فيها .. وسط كل هذا الانجراف اللاعقلاني ليس من الغريب أن تجد تشابهاً مدهشاً ومضحكاً حتى في الخطأ ! .
· خذ مثلاً قضية توهمنا العجيب بالعين والسحر، وإلقاءنا بأسباب كثير من مشاكلنا و ( بلاوينا) واخفاقاتنا على شماعة العين والسحر والحسد ، هروباً من البحث في مسبباتها الحقيقية ! . هل لاحظت أن الكثير منا يتحدث بجرأة عجيبة تصل حد الافتخار في المجالس بإصابته بالعين أو السحر ، بينما يتعامل مع مرضه النفسي بتكتم وخجل؟! .. وهل لفت نظرك أن معظم من يتعرضون لمشاكل زوجية مثلاً ؛ يتوهمون السحر أو العين، دون أن يفكر أحدهم أن سلوكه السيئ ربما يكون السبب ! .. وهل لاحظت أيضاً أن بعض من يخفق ابنه في دراسته لا يبحث عن سبب ( دلاخته ) بالتواصل مع المدرسة ، بل يتجه به الى الرقاة دفعاً للعين التي قد تكون غيبت ( عبقرية) ابنه الفذة ! .. ان هذه القناعات هي من ساهمت في انتشار تجارة الرقيا وبيع الوهم ! .و نشرت الدجالين من الشيوخ الروحانيين في القنوات الفضائية، وفي وسائل التواصل .. وهي نفس القناعات التي طمّعت فينا حتى سحرة افريقيا الذين قد يتصلون على جوالك ليخبروك انك مسحور مسحور مسحور ياولدي وان علاجك لديهم وحدهم! ..
وغير بعيد من تجارة الرقيا و الزيوت ، وفك السحر ، وجلب الحبيب ، تزداد تجارة (الأعشاب ) و ( الخلطات مجهولة المصدر ) رواجا وازدهارا ، رغم كل التنبيهات والتحذيرات التي يطلقها أطباء متخصصون يستقبلون يوميا العديد من ضحايا (مافيا الأعشاب ) الذين يرتكزون في تجارتهم المربحة على قناعة شعبية ؛ هي الأخرى متأصلة في نفوس الكثيرين منّا ، و يعتنقها السواد الأعظم من السعوديين ، مفادها أن الأعشاب ذات فعالية في علاج كل الأمراض تقريباً ، خصوصاً الأمراض الجنسية التي ( زهقونا) بإعلاناتها التي نزداد وقاحة كل يوم على تويتر .. غير أن الأخطر من هذا هو الاعتقاد الخاطئ أيضاً أن الأعشاب مأمونة العواقب ! وأنها ان لم تنفع فلن تضر، وهذا غير صحيح أيضاً ، فالأعشاب تحوي الكثير من المواد والزيوت والسموم التي لها مضارها الكبيرة .. وما حالات الوفاة وفشل الكبد والكلى التي تعلن عنها المستشفيات كل يوم إلا دليل على تغلغل هذه القناعة المضللة في نفوس الكثيرين.
العين حق والسحر موجود وفي بعض الأعشاب فوائد لاننكرها .. لكن المنكر هو مبالغتنا التي وصلت حد ( الاستحمار ) !. والمؤسف أن معظم انتهاكات وتلاعبات مافيا الأعشاب تتم تحت عباءة (الطب النبوي) ذلك لأن الكثيرين منا يعتقدون أن كل ما يأتي من العطارين، و من الكتب القديمة هو ( طب نبوي ) يجب احترامه وتقديمه حتى على الطب الحديث في حالة التعارض وهنا مكمن التسطيح والخطورة .
كالعادة إبداع الأستاذ محمد البلادي يحسن إختيار موضوعاته التي يطرحها للمتلقي للفائدة وهذا الموضوع يناقش قضية منتشرة في مجتمعنا لتنوير الجميع حولها مع كامل الإيمان بها كما تطرق بحرفية يمتاز بها لقضايا سلبية حول القضية ما أروع إبداعك