من جادة قباء.. إلى بدر (1)

جادة قباء التي رسمها واقعاً وإسماً وتاريخاً صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة حفظه الله وتابع خطوات تنفيذها بخطط محكمة ومكونات مدروسة صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن خالد الفيصل بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة المدينة المنورة  تعتبر تاريخاً ناطقاً بعمقها وفكرتها وأهدافها ومن خلالها تتجسد مواكب البطولات في مخيلة السائر بها تسير أقدامه بين مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم ومسجد قباء وصور شتى تتراءى له ويتحدث مع كل شبر يسير عليه أو ذرة رمل في هذه المدينة المباركة التي قبل ترابها أقدام سيد ولد أدم وصحابته الكرام ذهاباً وإياباً إذ لا يكاد يوجد شبر واحد في هذه البقعة إلا وهو يشرُفُ ويسجل تاريخاً مشرقاً للدعوة المحمدية ولخير البرية عليه الصلاة والسلام وصحابته الابرار..

ومن خلال الجادة وتاريخها يتصور الزائر والسائرون بين جنباتها وعلى ضفافها كيف خرج نبي الهدى من مكة مهاجراً متخفيا والعيون والأعداء لدعوته يترصدون لطمس دعوته…

كما يستشعر كيف تسلل المهاجرون من صحابته عليه السلام في هجرتهم الى هذه المدينة العظيمة تاركين المال والأهل مضحين بكل ما لديهم…

لقد تسلط المشركون من صناديد مكة على أموال أولئك الصحب الكرام وأذلوهم وأذاقوا مستضعفيهم صنوف العذاب ووجد الاصحاب في اللحاق بنبيهم مهاجرين بين جنبات طيبة الطيبة الأمن والاستقرار فأحبوا المدينة وأحبتهم هذه البقاع المشعة بالأنوار…

إن السائر في جادة قباء التي تمثل المدينة بكاملها يستشعر فكره يوم تسير به أقدامه على تراب الجادة بين قباء والمسجد النبوي الشريف عبقرية نبي الامة عليه الصلاة والسلام يوم أن وطأت اقدامه واستقر مقامه في هذه المنورة وقد وضع في قرارة نفسة إرساء قواعد الدولة الإسلامية بهذا الدين القويم ورأى من جانب أخر أن هذه البلدة المباركة تقع في طريق قوافل مكة في رحلتها الى الشام محملة بمؤن أولئك الذين تعالوا وطغو واذلوا الاتباع وسعوا لإطفاء نور الحق واليقين الذي دعا اليه فوضع خطة أخرى لحرب اقتصادية لمحاولة استرجاع شيء مما نهب من محبيه ولوضع كيان لدولة الإسلام حتى تثبت وجودها ويهابها كل أعدائها ولذلك…

شهدت جادة قباء تلك النفوس العالية والجباه الشامخة والأقدام الواثقة التي تعطرت بتراب هذه الجادة لجماعات المهاجرين اليها وهم يخرجون فراداً وجماعات تنفيذاً لتوجيهات نبيهم العظيمة طاعة لأوامره…

 

جادة قباء.. شهدت خلال ثمانية عشر شهراً من هجرته عليه السلام رايات أربع غزوات قادها بنفسه وأربع سرايا بقيادات رموز من صحابته ومحبيه من أجل التعرض لقوافل قريش في ذهابها وإيابها..

لقد وصلت طلائع الجيش المحمدي وهم يعبرون مسارات هذه الجادة الى أطراف العيص وجهات رابغ ووادي الخرار في الجحفة وأودية ودان بالأبواء وبواط والعشيرة في جهات ينبع وكلها أماكن تسلكها قوافل قريش إلى الشام…

من هذه الجادة سار الاصحاب يتعقبون القوافل المكية التي صار قادتها وحُداتُها يسيرونها بحذر وقد دبت إلى نفوسهم الرهبة والخوف الدائم الذي أقض مضاجعهم لا في القوافل السائرة ولكن في ربوع مكة نفسها…

من هذه الجادة تعالت أصوات الاصحاب مهللين مكبرين وخفقت ألوية جند الله الذين أمنوا بمحمد واعتنقوا دينه واتبعوا سنته.. فتناقلت القبائل في الجزيرة العربية أخبار دولة الإسلام في المدينة المنورة ونقل الاعراب ما رأوا من توحد الصفوف لهذا الكيان للدولة الإسلامية بقيادة نبي الهدى والنور عليه الصلاة والسلام..

جادة قباء هي التي أوحت الى أن تصحوا مكة في يوم مشهود من أيامها على صوت ضمضم ابن عمرو الغفاري لبعث النفير في مكة حين دخلها واقفاً على بعيره سائراً في طرقاتها وبين جبالها لقد شق رداءه وحوله وشق أنف بعيره وهو ينادي بأعلى صوته.. يا معشر قريش.. اللطيمة.. اللطيمة.. أموالكم مع أابي سفيان قد عرض لها محمد واصحابه.. لا أرى أن تدركوها.. الغوث.. الغوث.. وأرتجت مكة لهذا ودخل الخوف كل بيت وأسقط في أيدي جبابرة قريش يومها فعزموا على المسير وتعاهدوا للقضاء على محمد وأصحابه وإنقاذ القافلة…

وبين مسارات جادة قباء خرج طلحة بين عبيدالله التيمي القرشي وسعيد ابن زيد ابن عمرو القرشي إلى جهة الشمال بأمر من نبي الأمة لمعرفة أخبار قافلة أبي سفيان بن حرب ذات الألف بعير العائدة من الشام بأحمالها…

ومن الجادة خرج بسبس بن عمرو يتحسس القافلة في وادي مخيض بالشمال (المندسة)، تنفيذاً لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام…

وعبر جادة قباء سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحابته من المهاجرين والانصار في شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة بعد أن قال لهم: (إنا لنا لطلبة.. فمن كان ظهره حاضراً فاليركب معنا..) وقال لهم: (هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها(..

في هذه الجادة اجتمع حول نبي الرحمة عليه السلام قرابة 313 من أصحابه في شهر رمضان المبارك وتعطرت أرض الجادة بهذه الكوكبة التي لا تملك سوى 70 بعيراً و60 درعاً وفرسين وكانت بغيتهم القافلة… ولم يظنوا انهم سيلقون حرباً ومن تخلفوا عن الركب بالمدينة كان هذا اعتقادهم و أخرون لم يلحقوا أن يهيئوا لهم ركوباً بتلك السرعة…

 

و امتدت أضواء جادة قباء لتقف مع الرسول صلى الله عليه وسلم في أرض السقيا التي يملكها سعد بن أبي وقاص بعد العنبرية مما يلي الحرة فيقف عليه السلام ويتوضأ ويستقبل القبلة ويدعوا الله سبحانه وتعالى للمدينة وأهلها بالبركة… ويؤكد على حرمة المدينة المنورة وينظر الى أصحابه الذين معه في ذلك الموقف ويقول: (اللهم انهم حفاةً فاحملهم وعراةً فاكسهم وجياع فاشبعهم وعالة فاغنهم من فضلك..)

ثم يستعرض من معه من الاصحاب فاجاز من أجاز منهم ورد من رد لصغر سنه…

واقتضى أمر المسير إلى توزيع القيادات حيث أعطى لواء القيادة العامة التي يتولاها بنفسه الى مصعب ابن عمير القرشي براية بيضاء وسلم علم كتيبة المهاجرين إلى ابن عمه علي بن ابي طالب وعلم كتيبة الأنصار إلى سعد بن معاذ سيد الاوس وجعل على الميمنة الزبير بن العوام والمقداد بن عمرو الكندي على الميسرة وهما الوحيدان اللذان على الفرسين وجعل على المؤخرة قيس بن ابي صعصعة… ولقلة الركوب جعل لكل جمل ثلاثة يتعقبون على الركوب…إنه تنظيم جديد محكم من هذا القائد العظيم…

 

وهكذا من جادة قباء بدأت هذه الكوكبة المحمدية محاطةً بعناية الله ومضاءةً بأنوار النبوة وبقيت أثار أقدام أولئك على الأرض في هذه الجادة شاهدةً على مر الزمن تقول لكل زائر ومستطلع وسائر على ثراها هذه أثار أقدامهم وتلك شواهدهم تخاطب العقول والوجدان على أرض مباركة ومدينة مقدسة منورة على مر الازمان والعصور…

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟