الريس النعمان .. صوت في الأرض.. صيت في السماء

 تيزار

قدّم للحياة الولد الصالح، فحفظ له الأخير فضل الصنيع وأيام التربية ومشوار الرعاية والاهتمام، خلّد في أذهان أبنائه قيما ومبادئ ومواقف تربوية لا تنسى، وجعلهم قلبا وعقلا ويدا واحدة؛ لذا فكروا معا في توثيق قصة الوالد الاستثنائي -أدبا وخلقا ومشوارا وسيرة- وتدوين جوانبه الشخصية ومواقفه وذكرياته وأسلوبه التربوي في كتاب يأخذ مكانه في قلوب قرائه.
رحل الريس المؤذن مصطفى بن عثمان النعمان، تاركا وراءه ملهمين يحملون له الحبّ والقَدْر، حيث سار كبير العائلة محمد النعمان على خطى نهجه مقتفيا أسلوب حياته، حتى بات في عيون متابعيه نسخة جديدة تحاكي الوالد طباعا وسلوكا، فتح محمد النعمان مجلس والده وأثراه طرحا وإبداعا، كما ألهم إخوته ليعززوا التاريخ الناجح على سطور الكتب والمؤلفات.
عاش الريس المؤذن مصطفى بن عثمان النعمان مؤمنا بأن أبناءه أغلى مواريث الحياة؛ لذا بنى فيهم بنايات العزة والشموخ والأدب، ومن قبل العرفان بالفضل، تلك البنايات التي تعيش أبد الحياة ولا تنهدم.

لم يقدم الدكتور عثمان النعمان، في كتابه «صوت في الأرض صيت في السماء»، سيرة ذاتية نمطيّة عن والده الريس المؤذن النعمان، بل قدّم قصة حياة تسير وفق تسلسل زمني سلس، تناول خلالها المراحل العمرية والجوانب الشخصية والمواقف والمجالس والخصال ورفقته الطويلة مع الأذان.
قدّم الدكتور عثمان النعمان قصة حياة تنقل القارئ إلى مصاف الشاهد على أحداثها، كتب عن تجربة إنسانية واقعيّة أثراها بروايات شفوية ومكتوبة ومواقف حيّة عاينها كثيرون.

لم يغفل الكاتب -في قصته- فصلا من فصول حياة الريس النعمان، بدأها من الميلاد حتى الرحيل، تكلم عن النسب والقرابة وشجرة العائلة الممتدة والعلاقة الروحية التي جمعته بأبنائه، وانعطف ليحكي مواقف عاشها الريس النعمان في مواسم الحج وعلاقته بضيوف الرحمن، تكلم عن المكبريّة وأحفاد بلال والأذان، واصفا إياه برفيق العمر ومنهج الحياة.
تعرض الكاتب لمجلس الريس عثمان الذي كان يستقطب رجالات الثقافة والعلم والفضل والخير، ويطرح على بساطه كل الموضوعات التي تثري المجتمع المديني -نفعا- وكيف تحوّل لوجهة لأهالي المدينة وضيوفها من شتى بلدان العالم.
روى الدكتور عثمان النعمان رحلة والده كاملة، مبتعدا -في كتابته- عن أسلوب السرد النمطي والسيرة الذاتية الجافة، مقدما -بإبداع وبقلم موضوعي ولغة إبداعية- حكاية عامرة بالأحداث في صفحات مختزلة.

«صوت في الأرض.. صيت في السماء» كتاب خاص، لم يدوّنه الكاتب بقلم الابن المنحاز لتاريخ والده ومشواره الناجح، بل كتبه بقلم المتابع المنصف والمعاين الأمين لعظمة المشوار؛ لذا جاءت السطور حيادية وموضوعية وبعيدة عن التكلّف والمغالاة.
الكتابة عن الريس النعمان أمر مجهد، فالرحلة طويلة، والتفاصيل مثيرة، والمشوار مليء بالنجاحات، ومع إبداع الرحلة كان لزاما أن يكون السطر متناغما مع بريقها، متناسبا مع الحصاد الذي تركه الريس النعمان، لا لأبنائه فحسب، بل للمجتمع المديني كله.

الكتاب الذي كتب -إن جاز التعبير- بأقلام الأبناء كلهم يمثل أرقى عنوان للفضل والاعتراف بعظمة التاريخ، كتبوه ليقدموا على سطوره المتعة والفائدة، ولتكون كل محطة فيه ملهمة للقارئ، لا يمر عليها مرور الكرام، بل يتوقف ليتأمل.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟