تسمع بالمعيدي خيراً من أن تراه

كان لي صديق متميز في كل شيء، ومتقن في عمله أيما اتقان، إذا أوكلت له مهمة يتمها بأفضل ما يتمم به الإنجاز بإتقان وإبداع لا مثيل له.
يُضرب به المثل في الدقة وإيجاد الحلول لكل ما يواجه من عقبات، بل (يفزع) معيناً لزملائه ومذللاً لهم العقبات.
لديه أفكار إبداعية واقتراحات لم يسبقه لها أحد، ومن يرى عمله يتيقن تمامًا بنجاح المنشأة والإدارة التي يعمل بها.
من (النادر) أن يقع في خطأ، وإن حصل فمن (النادر) ألا يجد له مخرجًا بكل احترافية ليحول هذا الخطأ لتجربة نجاح أخرى!
لكن..
إياك أن تسمح له بالحديث! فإن تحدث و(نادرًا) ما يسمح له بالحديث فقد أتي بما لا يخطر على قلب ذي لب.
حديثه كله تجريح وخشونة وجلد غير مقبول، (نادرًا) ما يتحدث حديثًا مقبولاً ومستساغًا خاليًا من (الخبط عشواء) التي ملازمة لحديثه. حينها يقول من يستمع إليه ليته سكت!
ويخطر حينها بالبال “تسمع بالمعيدي خيرًا من أن تراه”.
فيا سادة يا كرام.. الحديث والحوار (موهبة) وحرفة وقدرة مختلفة عن العمل الفردي، حتى إن البعض لا يستطيع أن يثبت حق مباح له بسبب عدم مقدرته عن الإبانة والإفصاح، فيتوكل عنه من يرافع نيابة عنه.
فكم (نادر) من النوادر متصدر لأعمال ربما يكون متميزًا في أدائها، لكنه غير مبين عند الحديث عنها!
من استفز وأوجع فئة ممن قضوا سنين من أعمارهم في خدمة الوطن في شتى مناحي الوظائف المدنية والعسكرية، وترجل عن العمل بشكل نظامي وترك الفرصة لمن يأتي بعده باستكمال مسيرة العمل، وحينها ينتظر التقدير والثناء والدعاء له بالصحة وطول العمر، نتفاجأ بمن يحسب عليه عمره ومتي يرتحل عنا – رحمه الله-!
(…والإنسان يتقلب في مراحل حياته بين الأعمال ودرجاتها، والوظائف وترقياتها، حتى يبلغ درجة التقاعد؛ وتلك قضية آنِيَّةٌ مهمة لفئة عزيزة غالية قدمت زهرة شبابها، ولُبَاب أعمارها في خدمة دينها ووطنها ومجتمعها، تكدح في أعمالها ثم تترجل عنها؛ لتتيح المجال الوظيفي لغيرها من الشباب الصاعد، وهكذا تمضي الحياة بِنَا في تقلباتها وتنقلاتها، وصدق رب العالمين: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾، وهذا التصنيف الوظيفي – متقاعد، وغير متقاعد- ليس نهاية المطاف، وليس حُكمًا على الإنسان بالموت الزُّعاف،…)
هكذا وصف الحالة وشُخّص الوضع في إحدى خطب الجمعة بالمسجد الحرام معالي الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الدكتور عبد الرحمن السديس، وهو مقطع قديم يتادوله الناس في كل فترة للتذكير بالمتقاعدين وأهمية الإحسان لهم والعرفان بفضلهم.
لذلك فدعوة للقائمين على المنابر الإعلامية الوقوف على القدرة الشخصية للضيوف في مجال الحديث والحوار، وعدم الركون لمنجزاته العلمية والعملية فقد لا تعينه على الحديث (دائمًا)!
ولكل متقاعد/ة أسأل الله أن يمد في عمرك محفوفًا بالصحة والعافية والسلامة..

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟