عبد السلام هاشم حافظ

 في المدينة المنورة وفي الأربعينيات الهجرية ولد شاعرنا الأديب السيد/ عبد السلام هاشم حافظ، وفقد أباه قبل أن يتم عامه الأول، فنشأ يتيماً في كنف والدته وعمه السيد/ عبد القادر حافظ .. وفي (الكتّاب) كسائر جيله؛ أخذ مبادئ القراءة والكتابة حتى حفظ من القرآن الكريم ما يقارب نصفه، وهو بعد لم يتجاوز السابعة من عمره، ثم انتقل إلى المدرسة التحضيرية، فالابتدائية حيث حاز شهادتها عام 1361هـ فائقًا أقرانه، وكانت هذه الشهادة عند ذلك تعادل المستوى الثانوي في لاحق الأيام. لكنه ما إن تخرّج حتى عرض له مرض القلب ما أدى إلى توقفه عن الدراسة النظامية، فاتجه إلى إرضاء هوايته للقراءة والاطلاع مشتغلاً بالأدب من مصادره التراثية، حتى أصبحت هذه الهواية فيما بعد حرفة ومسؤولية فكرية التزم بها في إخلاص وإيمان شديدين.

     التحق بالعمل الحكومي محققاً في شرطة المدينة عام 1374هـ، وذلك بعد عامين أمضاهما أميناً لمكتبة مشروع توسعة المسجد النبوي، وفي عام 1379هـ طالب بالتقاعد من عمله الوظيفي لقصدين متلازمين، أحدهما: للتفرغ لرسالته الأدبية، وثانيهما: للراحة التي كانت تنشدها حالة قلبه الصحية الذي أجريت فيه عملية جراحية كبيرة فضلاً عن الآلام المفصلية التي ظلت ملازمة له حتى وفاته عام 1415هـ.

      يعدّ شاعرنا من أنشط أدباء أسرة الوادي المبارك إسهاماً وإنتاجاً في مجال الأدب والثقافة، إذ بلغت مؤلفاته خمسين مؤلفاً، تنوعت ضروبها ما بين الأدب والتاريخ والترجمة، وله نتاج شعري ثري خاص فيه شتى ألوان الشعر، فكتب على سنن الشعر العمودي، وعلى التفعيلة، ويحكى أنه من أوائل من كتب الشعر الحر في المدينة المنورة، ومزج في بعض دواوينه بين الشعر والنثر، يقول عنه الخطراوي أنه صاحب ((تجارب كثيرة غنية بالجدة والحياة، وله محاولات ملحمية وقصصية جيدة، كملحمة راهب الفكر، وأضواء على المجهول، وهو متعدد الاتجاهات..الخ)) وما عبّر عنه الخطراوي بالملاحم أسماها الدكتور محمد مندور في تقديمه لديوان (أضواء ونغم) حوارات شعرية، بينما عنون لها الشاعر بمسرحيات شعرية. لم يدع شاعرنا موضوعاً أو مناسبة تصلح للشعر أو يصلح لها الشعر إلا صاغه في قالب شعري، ومن جوانبه التي تفرد بها عن زملائه من أدباء المدينة كتابته للشعر المسرحي والشعر القصصي وكان له حظ الأولية في هذا المنحى الفني دون أضرابه.

       صدر ديوانه الأول (مذبح الأشواق) عام 1371هـ ثم توالت دواوينه (راهب الفكر) و(صواريخ ضد الظلم والاستعمار) و(أضواء ونغم) و(الفجر الراقص) و(أغنيات الدم والسلام) و(عودة الفيضان) و(سمراء) و(العذراء السجينة) و(تلميذتي) و(عبير الشرق) و(أنوار ذهبية) و(أغاريد الضحى) و(ألحان الأمل) و(وحي الهاجرة) و(قلبي المناضل) و(أناشيد الضحى).

   ولقد أشار الأستاذ محمد هاشم رشيد في تقديمه للأعمال الشعرية الكاملة ((إلى ملامح شخصيته العجيبة التي استطاعت رغم معاناته الصحية المستمرة أن تتغلب على كل المشكلات والعقبات والمآسي… وأن تعلن بشجاعة وعنفوان عن إيمان بالحق والخير والعدل والحرية المثلى التي جاء بها ديننا الحنيف.. كما استطاع قلبه المكبل بالإجهاد والمرض أن يخفق من أقصى نجمة يتهدج ضياؤها على عالمنا الإسلامي الكبير)) كما أشار إلى ما تتسم به قصيدته من تلك الثنائية الفكرية أو الفنية في شعره الذي يحمل (كل الخصائص التي يتميز بها المزاج النفسي، والتركيبة العاطفية، والاتجاهات الفنية لديه فهي دائماً متوهجة، مشبوبة العاطفة تتلاقى فيها السماء بالأرض، والحب بالرفق، والأزل بالأبد، والحياة بالموت.. ونحس فيها ثنائية الفنان واندفاعه مع اللحظة الآتية التي نعيشها)).

   ولعل شاعرنا لم يفوت فكرة أو نبضة دون أن يجلّيها في قصيدة أو ديوان أو مقالة أو كتاب، لأنه يرى الأديب والشاعر مشعلاً من ضياء ينير الطريق نحو الحب والفضيلة والنضال والانتماء، إذ يقول في قصيدته (الشاعر):

هو مشعل وضاء يخترق السنين على جناحي ثائر
     

ويبدد الظلمات والأشباح عنها بالضمير الطاهر

ليظل كل الناس في أمن وإسعاد وعز ســـائر
         

فالشاعر الإنســـان حب عالمي للبقاء الزاهر

هو يقظة لا تعرف التهويم إلا في الصدور الشادية
 

ومشاعر حيرى معذبة تفتش عن عـوالم حانيه

لهب يسيّره إلى دنيا مذهبة الجــــوانب نائيه
   

لكنه أبداً يرى كتل السراب على الأماني طافيه

هو شاعر الوجدان والثورات والأنوار والورد النضر
   

ولكل عاطفة  مقدسة يغرر  في  ربيع  أو  غُدُر

آلامه من حسه المشبوب والروح السجين على الزهر  
 

فحياته – وكما يريد – طليقةٌ .. لكنها بيد القدر

هو شوق أجيال تشعلله الأماني والمحبة والهمم
       

إحساسه من رقة الورد المفتح للصباح مع النسم

وحياته  رقات  قلب   وارتعاشات  تعبّر بالنغم
     

فإذا المشاهد كلها في مجهر الوعي المغرّد تزدحم

هو عاشق للحسـن تمتعه رؤاه .. وحظه منه النظرْ
   

يهوى الطبيعة والجمال وذكريات العمر والأفق العطرْ

والحب  عند   فؤاده حلم  وتقديس وشوق  يستعر
   

حب بلا أمل .. سوى فنٍّ يصوغ به المشاعر والذكر

هو حالم في المعبر الوردي يرجو لو تطول به الطرق
     

لكنه يقظ على همسات هذا الخلق تعبر في الغسق

وتصيبه .. ويؤوب شاعرنا وفي برديه آثار الحُرَق
     

والشوك أدمى خطوه .. لكنه أبقى لنا  قلباً خلق

من فنه وصموده لنضاله .. وهي الحياة الباقيه
         

وإذا تغرب في الوجود .. لكونه يشقى لذكرى آتيه

فلأنه  شُعَلٌ لها الدم زيت أيام  ستأتي  ثانيه
         

وبها الشموع تنير درب السالكين وتنتهي متباهيه

وغداً سيمضي زاكي الأنفاس يسبقه الترنم بالأمل
       

ويقول عنه القوم: كم هو ساحر ذاك الذي تأتي النزل

وحياته كانت لعاطفة السمو وخفقة القلب الوجل
     

ما كان   ذاتياً .. ويرجوها لكل الناس: دنيا لا تمل

                   

                         

                       

                   

                 

                   

                   

                     

                     

                     

                     

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟