اختلاق القصص بين التشويق والتشويه (4)

(يا فؤادي رحم الله الهوى    كان صرحاً من خيال فهوى)

مطلع قصيدة الأطلال الشهيرة للدكتور (الطبيب) إبراهيم ناجي والتي لم تخل من الصاق واختلاق القصص والروايات لغرض التشويق أو التشويه!

ولكن هنا اختلفت القصص فلم تكن قصة واحدة بل ربما وصلت لأربع قصص مختلقة ومختلفة.

فقيل إن إبراهيم ناجي كان يحب فتاة في حيه الذي يسكنه وحين سافر للدراسة وعاد وجدها قد تزوجت!

وقيل إنه كان ذات ليلة نائمًا وإذا بالباب يطرق فهرع فوجد رجلاً يطلبه ليطبب امرأته وهي في حال الولادة وحين ذهب وجدها حبيبته فساعدها وهو يبكي وخرج بعد أن اطمأن على وضعها الصحي!

وقيل إنه كان يحب فتاة فبعثها للدراسة في فرنسا وبعد حين أرسلت له مكتوبًا إنها لا تحبه وشغفت بآخر!

وقيل إنه كان مدعوًا لحفل غداء فتأخر مرورًا بالسوق ليشتري هدية للمناسبة فوجد البائعة تسأله ألست أنت إبراهيم ناجي؟ قال بلى. قالت ألم تعرفني؟ فتذكر إنها حبه القديم قد غيّر الدهر ملامحها فاعتذر وحين وصل مقر الحفل كان بحالة نفسية سيئة!

وقيل وهو من أطرف ما قيل إنه كتبها في (القلة) التي كانت على نافذة شقة تسترها عنه ستائر النافذة المفتوحة فيراها كخيال يطالعها باستحياء وهو في طريقه إلى عيادته، حتى هبت ذات مرة رياح فانقشعت الستارة عن القلة!

وقيل إنه كتبها لإحدى الممثلات التي استدعته لتطبيبها فكتب لها وصفة العلاج وتقول إنها لما سمعت أم كلثوم تغني الأطلال وجدت الكلمات مكتوبة في (قفا الروشتة) التي كتبها الدكتور ناجي!

وأم كلثوم لم تصدح بـ (الأطلال)إلا بعد ثلاث عشرة سنة من وفاته!

وقد غيرت -كعادتها- (يا فؤادي لا تسل أين الهوى) من الأصل (يا فؤادي رحم الله الهوى)

كما أضاف إليها الشاعر أحمد رامي سبعة أبيات من قصيدة الوداع وهي أيضًا لإبراهيم ناجي بداية من بيت (هل رأى الحب سكارى مثلنا) حتى (وإذا الأحباب كل في طريق).

وعدد أبيات قصيدة الأطلال 125 بيتًا على بحر الرمل، وهي من روائع الشعر الذي زاد تألقه تألقًا بعد غناء كوكب الشرق.

ومثل هذه القصائد لا تحتاج لاختلاق القصص فللشاعر خياله الواسع الذي يسرح به في فضاءات الجمال وشعور الوجدان وسحاب العواصف، ونحن نكتفي بالنص استمتاعًا بما حوى من صور وأخيلة وجمل فنية وتراكيب موسيقية بعيدًا عن القصص المطروحة (للتشويق أو التشوية).

وبهذه القصة تنتهي هذه السلسلة القصيرة من (المختلقات) و(الملفقات) حول بعض القصائد وشعرائها، والمجال واسع وفيه من القصص (المضروبة) الكثير، وهو أمر ليس متعلقًا بالعصر الحديث بل حتى في العصور الأدبية السابقة لم تخل بعض القصائد من حياكة القصص لنفس الغرضين (التشويق أو التشويه)!

فاستمتعوا بالنص الأدبي وجمالياته بعيدًا عن الإساءة المقصودة وغير المقصودة.

(وإذا  ما زهـرات    ذعرت          ورأيت الرعب   يغشى  قلبها

فترفق واتئد واعـزف لها       من رقيق اللحن وامسح رعبها

ربما نامت على مهد الأسى      وبكت    مستصـرخات    ربهـا

أيها الشـاعر كم من زهرة      عوقبت  لم تدر يوماً  ذنبهــا) *إبراهيم ناجي

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟