من أسواق العرب في المدينة (سوق حباشة)

من المعلوم أن للعرب أسواقًا منذ العصر الجاهلي ذاع صيتها وانتشر خبرها، ولها أهميتها التجارية والاجتماعية والثقافية والأدبية، كـ (عكاظ، وذي المجاز، ومجنة، …وغيرها.

وسوق حباشة كان في تهامة، ورد ذكره في العديد من المصادر، حيث تاجر فيه الرسول صلى الله عليه وسلم- وكان سوق كبير.

أما في المدينة فكان سوق (حباشة) أيضًا بنفس المسمى، وفي بعض المصادر ينعت بـ (الثاني)، ويسمى كذلك الجسر، و (سوق بني قينقاع) لقربه من نزلهم.

ذكره (محمد حسن شراب) في (المعالم الأثيرة في السنة والسيرة):حباشة: بالضم والشين المعجمة، من أسواق العرب في الجاهلية، ، وهو سوق بتهامة (عن ياقوت). وفي كتاب المثالب لأبي عبيدة، ذكر أن صيفيا وأبا صيفي ابني هاشم بن عبد مناف، من أمة سوداء، اشتريت من سوق حباشة، وهي سوق لقينقاع، ، وأقصد حباشة الثاني، ، ويقع مكانه في عوالي المدينة.

وفي (تاج العروس): وحُبَاشَةُ: سُوقُ تِهَامَةَ القَديمَةُ،وحُبَاشَةُ أَيْضاً: سُوقٌ أُخْرَى، كانَتْ لِبَنِي قَيْنُقَاع، فِي الجَاهِلِيّة.

كذلك جاء في (وفاء الوفاء):سوق بني قينقاع: بقافين بينهما مثناة تحتية ثم نون وآخره عين مهملة، كان سوقًا عظيمًا في الجاهلية عند جسر بطحان، يقوم في السنة مرارًا، ويتفاخر الناس به، ويتناشدون الأشعار.

وذكر ابن شبة خبرًا في اجتماع حسان بن ثابت بنابغة بني ذبيان بهذه السوق، وأن النابغة لما قدمها نزل عن راحلته وجثا على ركبتيه واعتمد على يديه، وأنشد:

عرفت منازلا بعد الثنايا … بأعلى الجزع بالخيف المتن

قال حسان: فقلت في نفسي: هلك الشيخ، ركب قافية صعبة، قال: فو الله مازال حتى أتى على آخرها، ثم نادى: ألا رجل ينشد، فتقدم قيس بن الخطيم بين يديه فأنشد: أتعرف رسمًا كالطراز المذّهّب … لعمرة وحشًا غير موقف راكب

حتى أتى على آخرها، فقال له النابغة: أنت أشعر الناس يا ابن أخي، قال حسان:

فدخلني بعض الفرق، وإني لأجد على ذلك في نفسي قوة، فجلست بين يديه، فقال:

أنشد فو الله إنك لشاعر قبل أن تتكلم، فأنشدته:

أسألت ربع الدار أم لم تسأل

فقال: حسبك يا ابن أخي.

وفي (دراسات حول المدينة المنورة-من محاضرات النادي الأدبي- المجلد الثاني) قدم الأستاذ خالد بن محمد النعمان (من تاريخ أسواق المدينة المنورة في الجاهلية والإسلام) وذكر سوق “بني قينقاع ويطلق عليه سوق حباشة ويسمى أيضًا سوق الجسر”، وحدد موقعه تحديدًا واقعيًا، مع رسم (كروكي) للموقع، وهو في قربان وتحديدًا بجوار مدرسة عبد العزيز الربيع.

ويقول: “… فلابد إذن لمنطقة المدينة أن يكون لها سوقها الكبير أيضًا يصطبغ بما اصطبغت به تلك الأسواق. فالمدينة وإن كانت لا تحظى بمكانة مكة لدى أولئك العرب لخصوصية مكة إلا أنها لما فيها وما حولها من الكثافة السكانية تحتاج إلى مثل هذا السوق. ويكفي أنه كما قال السمهودي (عظيمًا يتفاخرون فيه) فهو إذن في حد ذاته مكان تفاخر لأهله وللعرب حوله من عظمه…”

وشهد هذا السوق العديد من الأحداث، ذكر (ابن شبة) في (تاريخ المدينة): “… قَالَ: ” لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ لِلْمَدِينَةِ سُوقًا أَتَى سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، ثُمَّ جَاءَ سُوقَ الْمَدِينَةِ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ: «هَذَا سُوقُكُمْ، فَلَا يُضَيَّقُ، وَلَا يُؤْخَذُ فِيهِ خَرَاجٌ».”

وللنابغة الذبياني (ربما في السوق هذا) قصة وقضية مع الشعر، ذكر محمود مصطفى في (أهدى سبيل إلى علمي الخليل):”… مثل قول النابغة الذبياني:

أمن آل مية رائح أو مغتدى … عجلان ذا زاد وغير مُزَوَّدِ

زعم البوارح أنَّ رحلتنا غدًا … وبذاك خَبّرنا الغراب الأسودُ

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه … فتناولته واتقتنا باليدِ

بمخضَّب رَخْصٍ كأن بَنَانَه … عَنَمٌ يكاد من اللطافة يُعقدُ

وكان النابغة كثيرًا ما يُقوِي في شعره، وقد أراد أهل يثرب أن يدُلُّوه من طرف خفي على خطئه، فأوحوا إلى جارية تغنيه بالأبيات السابقة، وأن تتعمد إظهار الحركات المختلفة بالضم والكسر؛ ففعلت، ففطن النابغة لشعره؛ فأصلح خطأه فجعل عجز البيت الثاني: وبذاك تنعاب الغراب الأسود، وجعل عجز الرابع: عنم على أغصانه لم يعقد، وقال: “وردت يثرب وفي شعري بعض العهدة -العيب- وصدرتُ عنها وأنا أشعر الناس”.

قفلة: (هل بالإمكان إعادة سوق حباشة ليكون مهرجانًا ثقافيًا واقتصاديًا موسميًا)

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟