
أنماط شعراء المدينة.. (بين قوسين)
بمجرد أن تبدأ أي فعالية أدبية تظهر بعض الشخصيات الأدبية متجردة من جلباب المثاليات، ولأني مهتم بالشعر خاصة ولي تواصل مع الكثير من الشعراء، فقد وقفت على أنماطهم الشخصية، والتي ظهرت بوضوح مع إعلان آخر الفعاليات. وأعني بالشعراء شعراء المدينة المنورة فقط.
لاحظت منهم فريقًا زاهدًا في الظهور، ولكل أسبابه ومسبباته، وإن كانت المشاركات في الفعاليات والأمسيات لا تمثل إلا جزء يسير جدًا من مشروعة الأدبي، إلا إن هذا الجزء هام في سيرة الشاعر ومسيرته.
فقد كان الشعراء يتوافدون على أسواق العرب منذ العصر الجاهلي لعرض قصائدهم دون انتظار دعوات تصلهم! وما خيمة النابغة في سوق عكاظ ببعيدة عن الأذهان.
وهؤلاء (الزهاد) في الظهور تحكمهم جوانب في تكوينهم الشخصي والنفسي والأخلاقي بصور متفاوتة ونسبية. هم يهتمون بإشباع رغباتهم الأدبية ويرضون أنفسهم ويتعايشون مع إبداعهم في أفق ضيق مع محبيهم.
وفريق آخر ظهر بشكلٍ متعالٍ، أخذهم الغرور بأنهم أكبر من أن ينتظروا دعوة ممن يرونهم دون مستواهم الأدبي، فلم يعيروا الموضوع أي اهتمام أمام الآخرين -في أقل تقدير- وإن كان في دواخل أنفسهم ما فيها! وهؤلاء يحتاجون مراجعة ولا بأس بالنقد الذاتي بين الفينة والأخرى!
وفريق ثالث يرون أنفسهم في الطبقة العليا للشعر -وهم ليسوا كذلك- لكنهم يتقنون فنون التواصل ويجيدون فن (التسويق) لبضاعتهم فوصل بعضهم واقترب من الوصول البعض الآخر!
وفريق رابع تميز بالمرونة فوقف في منتصف الطريق (لا اعتراض ولا موافقة) يترقب أين يكون وجوده مثمرًا، فيميل نحو الجانب الأكثر وهجًا دون النظر لأي اعتبارات سابقة!
وخامس يحبذ التواجد في (خصومات افتراضية)، فلا تسمع صوته إلا في الاختلافات، فيختلط معه (الحابل بالنابل) والأهم عنده أن يكون له صوت دون الاكتراث بعواقب التناقضات التي وقع فيها.
أما الفريق الأخير فهم الأكثر واقعية، لم يلتفتوا لكل هذه الأمور، حضروا الفعاليات والأمسيات واستمعوا واستمتعوا، (وصفقوا) وأشادوا، فكان حضورهم نجاحًا للأمسيات، فهم شركاء حقيقيون لهذا النجاح.
يتفق أصحاب أكثر من نمط مما سبق في الصاق أنفسهم بمن يحمل مشعل الأسئلة (المباحة)! ويقتصر دورهم في ادعاءات (التهميش) في صالونات مغلقة! وهذا أسلوب سامج ومكشوف.
صديقي الشاعر..
الوقت الآن ليس وقت كتاب ومكتبة فقط، الوقت الآن وقت ثورة إعلامية كبرى، فإن لم تواكب هذه النهضة الإعلامية وتتعامل معهما بشكل جيد، فلن يأتي إليك من يزفك إلى ساحات الظهور، وستبقى رسائل شعرك حبيسة صدرك ودفاتر مكتبتك..
فإن كنت تكتب لنفسك فقد كتبت، وإن كنت ترى أنك تؤدي رسائل أدبية للآخرين فقد أخطأت الطريق..
المبدعون كثر، والمدعون أكثر، فإن لم تتحمل -أيها الشاعر الأديب- المسؤولية في الحضور المركز والمكثف، فإنك بذلك تفسح الطريق للمدعين لتصدر مشهد الشعر والأدب. ستتوقف يومًا وتعتب ولا مناص عتب حينها!
للأديب رسالة كما قال الدكتور زكي مبارك “رسالة الأديب هي خلق ذوق الحياة”، فهل أديت رسالتك أيها الشاعر الأديب؟!
لقد تعامل الشعراء قديمًا مع وسائل إيصال شعرهم ورسائلهم حسب المتاح، ففي العصور المتقدمة كانت الأسواق وأندية القبيلة وتواجد الرواة هي الوسائل المتاحة فتعاملوا معها بشكل إيجابي، ثم جاءت مرحلة التدوين والكتابة فمنهم من كتب ومنهم من كُتب شعره في دواوين تزخر بها المكتبات الآن، ثم تطورت الوسائل إضافة إلى الكتب جاءت الصحف والإذاعة والتسجيلات، والمتلقيات والأمسيات، وكل هذه الوسائل يفرضها المتلقي والواقع على الشاعر، والآن في وقت الإعلام الجديد والذي لا ينفك الجميع من التعامل معه بشكل سهل وسلس ومتاح حتى في أضيق الظروف والأوقات، لابد لك أيها (الشاعر الأديب) أن تتعامل مع هذه التطبيقات للوصول للجمهور، وإن لم تفعل فسيتجاوزك الكثير ولن يفتقدك أحد!
(112 ساعة) خلال عشرة أيام أقامتها هيئة الأدب والنشر والترجمة بوزارة الثقافة من خلال معرض الكتاب في المدينة المنورة، انطلق المعرض من مدينة الثقافة إلى آفاق المعرفة. كانت رحلة مفعمة بعبق الثقافة والمعرفة، في مركب اتسع للجميع، وأبحر بهم في مجالات الثقافة، متنقلاً بين 300 دار نشر من حوالي 11 دولة وحوالي 80 فعالية ما بين ندوات وأمسيات وورش، استهدفت جميع طبقات المجتمع واعمارهم. هذا ما قدمته الجهة المنظمة، إضافة لما يأتي تباعًا من التقاء المثقفين والأدباء والمهتمين، وما دار بينهم من أحاديث جلها في الجانب المعرفي والثقافي. تنظيم متقن وعرض رائع، يعكسه مدى الإقبال الكبير رغم حرارة الجو، وأيام الاختبارات. فمن زاره رأى بعينيه و (ليس الخبر كالأعيان)!
*قفلة:
(أنا ابن جدي وقومي السادة العرب وحرفتي ما حييت: الشعر والأدب
أنفقت وقتي في شعر وفي أدب لا شغل عندي إلا: الشعر والأدب
ولا غذاء به أحيا بغير طوى منعم البال إلا: الشعر والأدب
أسالم الناس في عيشي فإن عمدوا إلى خصامي فسيفي: الشعر والأدب
ورب عاتبة لي في سبيلهما تقول لي قد شجاك: الشعر والأدب
ترجو بقائي بلا شعر ولا أدب وما حياتي إلا: الشعر والأدب
فقلت عفي وكفي عن معاتبتي ما نعمة العيش إلا: الشعر والأدب) * الشاعر الجزائري محمد العيد آل خليفة (1904 – 1979)