الملكية الفكرية والرقابة على المصنفات الفنية

بقلم / وزير مفوض د. مها بخيت

مدير إدارة الملكية الفكرية والتنافسية بجامعة الدول العربية

في كل الدول العربية توجد قوانين للرقابة على المصنفات الأدبية والفنية. وهي قوانين ليس لها علاقة مباشرة بقوانين حماية حقوق مؤلفي المصنفات الأدبية والفنية، لان المؤلف سواء كان كاتب أو شاعر أو ملحن أو رسام أو نحات، فإن حقوقه محمية بواسطة قوانين الملكية الفكرية وتحديداً قوانين حماية حق المؤلف وأصحاب الحقوق المجاورة. هذه القوانين تحدد الحقوق المادية والحقوق الأدبية للمؤلف. فالمؤلف، وحده له الحق في السماح باستغلال أعماله ونشرها وادائها وترجمتها وتسجيلها على أقراص مدمجة أو أشرطة فيديو رقمية. كما له الحق وحده في المطالبة بنسبة مصنفه إليه والحق في الاعتراض على التغييرات على المصنف أو العمل بشكل قد يسئ إلى سمعته.

أما الرقابة على المصنفات الفنية والأدبية فهي لها قوانين أخرى وتسمى تحديداً ” قانون الرقابة على المصنفات الأدبية والفنية”. فمثلاً في جمهورية السودان يوجد قانون للرقابة على المصنفات الأدبية والفنية لسنة 1993، وفي سلطنة عمان يوجد قانون الرقابة على المصنفات الفنية لعام 1997 وفي دولة قطر توجد لجنة الرقابة على المصنفات الفنية وأنشأت بقرار وزير الاعلام سنة 1984 لتختص بالرقابة على المصنفات الفنية المسجلة على أفلام أو أشرطة كالأفلام السينمائية وأشرطة الفيديو والتسجيلات الغنائية والموسيقية وما يماثلها أو غيرها من العروض الحية التي تقدم مباشرة للجمهور. كما يوجد جهاز للرقابة على المصنفات الفنية في المملكة المغربية والجمهورية التونسية وأغلب الدول العربية.

اهتمت جمهورية مصر العربية بالرقابة على المصنفات الفنية التي تعرض على الجمهور منذ خمسينيات القرن الماضي. فلقد صدر قانون الرقابة على المصنفات منذ عام 1955 وهو قانون رقم 430 لسنة 1955 (المعدل بقانون رقم 38 لسنة 1992) بتنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والاسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي.

وفي كل هذه القوانين والأمثلة التي أشرنا إليها من مختلف الدول العربية كان قصد المشرع هو حماية الآداب العامة والمحافظة على الامن والنظام العام ومصالح الدولة العليا. إذاً جميع الدول العربية كانت حريصة على بسط رقابة الدولة على المواد الفنية ,البصرية منها والسمعية وذلك لما لها من أثر كبير على المشاهد والمستمع وذلك رغبةً منها في رفع المستوى الفني وحماية الذوق العام للأعمال الفنية. ولتمكين السلطات من خلق رقابة واعية ورشيدة ومتطورة فقد نصت هذه القوانين على الجهات المنوط بها إصدار التراخيص اللازمة للسماح بتداول وعرض وتسجيل وتصوير هذه الاعمال الفنية. ومنحت هذه الجهات المختصة حق سحب التراخيص في حالة مخالفة الاعمال لقواعد النظام العام والآداب العامة ومصالح الدولة العليا.

قد تختلف معايير الآداب العامة من دولة إلى أخرى. فما قد يكون فيه خدشاً للحياء أو الآداب العامة في دولة قد لا يكون فيه مساس بأي جانب من جوانب الآداب العامة في دولة أخرى. ولكن اتفق أغلب المشرعين في الدول العربية على أهمية مراعاة بعض الجوانب عند عرض المصنفات السمعية والبصرية على الجمهور. وهذه الجوانب التي توافق عليها أغلب المشرعين وهي على سبيل المثال الجوانب التي تمس:

  1. عرض أعمال الرذيلة أو تعاطي المخدرات على نحو يشجع على انتشارها.
  2. العبارات والإشارات البذيئة وما يخدش الحياء.
  3. الإساءة إلى الأديان السماوية.
  4. الإساءة إلى اللون أو الجنسية.

 

كما نجد أن أغلب الدول العربية قد اتفقت على تحديد جهة مختصة هي التي تكون مسؤوليتها إصدار التراخيص اللازمة أو السماح بأداء الأعمال السمعية والبصرية. وفي هذا الخصوص نجد أن أغلب المشرعين قد استخدموا عبارة: ” لا يجوز لأي شخص استيراد أو تسجيل أو طباعة أو نشر أي مادة مرئية أو مسموعة أو مقروءة كانت أسطوانة. أو أشرطة كاسيت أو فيديو أو فيلم سينمائي أو كتاب بغرض التجارة أو ممارسة العمل الفني لأي غرض آخر دون الحصول على ترخيص من الجهة المختصة”. والجهة المختصة كما ذكرنا سابقاً تختلف من دولة إلى أخرى وفق نظامها الإداري فقد تكون وزارة الثقافة وقد تكون جهاز مختص بأعمال الرقابة على المصنفات الفنية وقد يكون مجلس أو لجنة.

إذاً التسمية تختلف ولكن المهام واحدة وهي الارتقاء بمستوى الأعمال الفنية وتأكيد قيم المجتمع الدينية والروحية ونشر الثقافة وإطلاق الطاقات الخلاقة للأبداع مع المحافظة على الأداب العامة والنظام العام ومصالح الدولة العليا.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟