ماجد الحسيني

شاعر من المدينة

 

ترتبط تجربة الشاعر ماجد الحسيني (1418 – 1342) في الذاكرة المدنية الأدبية بالرومانسية النقية المتدفقة، وهو ثالث ثلاثة شعراء رومانسيين مدنيين، أولهم محمد هاشم رشيد، وثانيهم عبدالسلام هاشم حافظ، وهو ثالثهم وأقلهم إنتاجا، يقول الباحث الدكتور زياد الحارثي:
«ويعد الشاعر ماجد أسعد محيي الدين الحسيني علامة بارزة في الأدب العربي المعاصر، وممن عاصر حركة التجديد والتطور في المملكة العربية السعودية، إذ يعد من رواد الاتجاه الرومانسي في الأدب السعودي، ولد في المدينة المنورة، وعاش في فترتها الثقافية الزاهية، وقد أسهم في هذه النهضة الأدبية بثلاثة دواوين مطبوعة، وبعض قصائدها نشر في الصحف؛ كصحيفة الرائد، وصحيفة المنهل، وصحيفة البلاد.. وغيرها من مصادر الثقافة والأدب في بلادنا».
ويقول عنه الكاتب محمد باوزير:
«نشأ في حضن أسرة لها اهتمام شديد بالقرآن والعلوم الدينية، فوالده أسعد محيي الدين الحسيني -رحمه الله- كان أحد القراء المشهود لهم بطيبة الطيبة، وذلك يعني أن الابن ماجدًا لا بد له أن يكون قريبًا من جمهور القراء والعلماء في تلك المرحلة، ما جعله يحفظ القرآن عن ظهر قلب في مرحلة طفولته، فألحقه والده بمدرسة العلوم الشرعية التي كان الأب (أسعد الحسيني) أحد أساتذتها، وكانت هذه المدرسة التي تأسست عام 1340هـ منهلًا لكل وارد، ومبتغى كل قاصد من أهل العلم والمعارف والثقافة، حيث كانت تضم كوكبة من المعلمين الذين كان لهم كبير الأثر في صناعة الأدب والشعر والصحافة والنهوض بها في المدينة المنورة؛ كعبدالقدوس الأنصاري وعبيد مدني.. وغيرهما.
فنهل الطالب ماجد الحسيني من علوم العربية من النحو والبلاغة وأصول الفقه وأصول الحديث، وعكف على قراءة مصادرها، وحفظ عيون الشعر الأصيل من منابعه القديمة، فألقت بأثرها على وجدانه، وما إن ساغ له طعم الأدب والشعر -وكان ذلك هو المظنون- حتى أخذ ذلك الشاب يغشى محافل الأدب والثقافة، ويتردد عليها؛ كجماعة (الحفل الأدبي)، و(نادي المحاضرات)، ومكتبة عارف حكمت، وكان معه قَبِيلٌ من أترابه ورصفائه الذين رسموا ملامح الأدب الحديث بطيبة الطيبة، منهم الأدباء: عبدالعزيز الربيع، محمد هاشم رشيد، محمد عامر الرميح، عبدالسلام هاشم حافظ، وحسن صيرفي.. وغيرهم».
إن موضوعات شاعرنا الحسيني هي الموضوعات الرومانسية المعهودة يديرها ببراعة وإتقان وتفرد، فله في وصف الطبيعة:
في روضة رف عليـها الهوى     لا يسأم الإنسان فيها الثـوى
أضفى عليها البدر من سحره     ومد فيها الليـل من سـره
والكون ساج غير رجع الخرير
وتغمر الفرحة آفاقها        ولا تمل النفس إشراقها
وزادها من بركات السماء   ثوبا رقيق النسج شف الرواء
وضحكات الزرع عند النسيم
وعلى طريقة أقرانه الرومانسيين، يدعو الشاعر محبوبه:
يا حبيبي هجع الليل فقم وامض بنـا   سكن الليل وهذا الليل قد نادى بنـا
يا حبيب القلب قم نطفئ لظى من حبنا     ونناجي بهوانـا الفجر إن مر بنـا
يا حبيبي
بين أضواء النجـوم      والفضا عذب الوجوم
وترانيـم النسيـم     الرؤى ملء الصميم
ونغني وبصمت الليل قد يحلو الغناء
قد سئمنا الهمس بالنجوى وأضنانا الخفاء
فليسعنا الليل كم في الليل سلوى وعزاء
رب حلم باحه الليل وواراه الضيـاء
والتأمل من الموضوعات الأثيرة لدى شاعرنا:
تحير لا يدري طريق صوابـه   وسائل لا من يرتجـي لجوابـه
فراح على الأقدار والناس ساخطاً    يصب على الأكوان سوط عذابه
تلوح له سبل الهدى ثم تختفي      فيخبط لا يدري طريق صوابه
مضى يطلب السر المحجب عنوة     فضل ولم يملك عنان ركابـه
ولج يؤم الغيب بين مجاهـل       فجن ولم يدرك مفاتيح بابـه
ومات ولم يدرك من السر ومضة       تراه سيجلو سره في ترابـه؟
ويقول:
يولد الطفل ويأتي للحياة     صارخًا كالمستغيث الخائفِ
فتحييه وجوه وشفاه         باسمـات فرحـا بالهاتفِ
ما له يبكي، فهل أبصر ما      خبأ الدهر له في طيه
أو تراه استنكر هذا العالم        ورأى آثامـه في حيه؟

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟