بالكتابة هزمت النسيان ومرضي لم يُغيّب تفاصيل أجمل رحلاتي

20 جنيها هديّة من قيلبي للوكيل

سنوات فصلت بين رحلة فيلبي وسالوبيك والشاهد واحد

معلومات الشريف الثرية وذاكرته النشطة جعلته الرفيق الموثوق به

تغريدات سالوبيك تؤكد عشقه لفارس وسيما وموقفه من عوض

الحلقة السادسة

علي الحربي

 

كنت أخشى أن أفقد الكثير من معلومات الرحلة وتفاصيلها بسبب معاناتي من مشاكل أعصاب أسفل القدم التي لم يتم تشخيصها حتى اليوم بشكل قاطع واستخدمت لها أدويّة لسنوات أثّرت عليّ -سلباً- بشكل كبير خاصة في تذكّر بعض الأحداث والمواقع، ولكن ما كنت أقوم به أثناء الرحلة من كتابة التفاصيل وتدوينها ساعدني كثيراً وحال بيني وبين نسيان هذه الأيام.    

تذكرت كلام سالوبيك لي حينما نصحني أن أكتب الرحلة فوراً مخافة النسيان مؤكداً لي أن التفاصيل تتدفق بين أصابعك كما يتدفق الماء بينها.

استجبت لنصيحة سالوبيك وكتبت بعض ما عشته في نفس الوقت واختزنت البقية في ذاكرتي التي لازالت يقظة حتى اليوم.

تعزز الفخر

مشاعر فخر عشتها في رحلتي مع الرحالة سالوبيك عزّزها لقاء الدكتور عبدالله الشريف -الذي كان وقتها مديراً لتعليم ضباء- وهو يتحدث عن والده الشريف عبدالعزيز الوكيل -الذي علمته بوفاته قبل أيام رحمه الله- الرجل الذي عاصر وقابل في قرية “المويلح” رحالتين لهما أهداف سيذكرها التاريخ، الرحالة عبدالله فيلبي وسالوبيك.  

الصدفة الجميلة

كنا قبل وصولنا لأي منطقة نتواصل مع بعض الأصدقاء ومن نعرفهم لنتوقف لديهم، حيث كنا نبحث عن أماكن بمواصفات خاصة تجمع بين السكن الخاص بنا والمزرعة لتكون استراحة أيضاً للجملين “فارس وسيما”، فرغم أن ناشيونال جيوغرافيك كانت توفر لنا السكن المناسب في كل منطقة إلا أن Paul كان يرفض السكن في الفنادق والشقق السكنية الفاخرة ويتعمد أن يكون قريبًا من “فارس وسيما”، كما أنه كان كثير التواجد بقربهم ويعطيهم الأكل بنفسه، بل يصل فيه الحب لهما إلى المسح عليهما والتحدث معهما بكلمات لم أفهمها لكنها في إطار الحب الذي نشأ بينهم.

العشق للجملين

عشق سالوبيك لـ “فارس وسيما” كان كبيراً إلى حدّ أدهشنا جميعا حتى وصل الحب به إلى حدّ مخاطبة (عوض) أكثر من مرة بشدة بعدم ضربهما أو التعامل معهما بقسوة، فإسلوب التعامل -كوظيفة- مع المواشي بأنواعها من قبل رعاتها يختلف عن من يتعامل معها ويعتبرها جزءاً مهماً جداً من الرحلة. حتى أن سالوبيك أحياناً في تغريداتهومواضيعه التي نشرها يذكر اسم “فارس وسيما” ثم علي وعوض ثم يذكر اسمه أخيراً.

إشارة الجوال

وقبل وصولنا إلى ضباء تحديداً كنت استثمر التقاط أي إشارة في الجوال -التي كانت تغيب عنا لأيام داخل الصحراء- للتواصل مع الأصدقاء والمعارف لترتيب سكننا، وقتها تواصلت مع الصديق والزميل في صحيفة عكاظ منصور الرشندي، الذي أوصلنا بالدكتور عبداللهالشريف ورتب لنا مكان إقامتنا بحسب مواصفات سالوبيك.

عراب المويلح

حكايات لا تخلو من طرافة رواها الشريف عبدالعزيز بن عبدالمطلب الوكيل -عرّاب المويلح- عن قصته مع المستشرق عبد الله فيلبي وقتما كان دليله في الاستدلال على بعض المناطق –وكان أخوه الشريف عبدالرحيم بن أحمد – وقتذاك – وكيلا للمويلح – حيث نال لثراء مخزونه التاريخي وشروحاته الوافية إعجاب فيلبي الذي بادر بمنحه عشرين جنيهاً من الذهب هديّة للدليل في رفقته ومعلوماته، تكلم عن المستشرق “فيلبي” وعن ولعه باقتناص المعلومات التاريخية الموثقة، وكيف أنه كان يجوب الأماكن ويسعد بقراءة أيامها من أجل توثيقها.

العمق التاريخي

تكلّم الشريف عبدالعزيز رحمه الله عن العمق التاريخي لـ “المويلح” كمنطقة تقع في الوسط بين القاهرة ومكة المكرمة، فلا غرابة من مرور الرحالة  عرباً ومستشرقين وكُتاب كـ “فليبي والأندلسي والنابلسي” وغيرهم، كذلك عن أهمية المنطقة وكيف أن قوافل الحجاج كانت تصل لتلك المنطقة في منتصف الشهر الهجري لتبدأ رحلتها لمكة في صباح يوم 15 من الشهر الهجري لتصل إلى مكة المكرمة ليلة الثلاثين من الشهر، كما تكلم عن قلعة المويلح التي تم بناؤها لحماية البحر الأحمر من الصليبين والمغول -وقتذاك- وكيف تحولت إلى مزاد.

سعداء الحظ

من سعادة الحظ أن نلتقي أنا وسالوبيك بذات الرجل لنضيف لرصيد رحلاته محطة جديدة وليحق لنا وصفه بحق رفيق الرحالة.. استمعنا لصوته بحضور ابنه عبدالله الشريف -الذي كان كان عزير المعلومات- وهو يحكي عنها المنطقة التاريخية الهامة التي كانت تمثل “منتصف الطريق” لكل الرحالة ممن يجوبون مناطق المملكة رغبة في البحث والاستكشاف والفوز بالقصص التاريخية المثيرة.

لماذا كان الدليل؟

الشريف عبدالعزيز بن عبدالمطلب الوكيل واحد من أسرة لها جذور عريقة بمنطقة “المويلح” يعرف موقع كل حجر وصخرة فيها، فوالده الشريف أحمد الوكيل “وكيل قلعة المويلح”، تلك الوكالة التي تناوب عليها أحد عشر جداً عماً وولداً من نفس العائلة، رجل أهّلته طلاقة لسانه وثراء معلوماته ليكون رفيقاً لكل الرحالين الذين جابوا المنطقة، كما أنه يملك ذاكرة نشطة لا تنسى حدثاً ولا تغيب عنها رواية.

مفارقة طريفة

بين رحلة عبد الله فيليبي المستشرق الذي منحه المؤسس الملك عبد العزيز الفرصة ليكون أول رحالة أوربي يقطع صحراء الربع الخالي من شرقها إلى غربها وبين رحلة سالوبيك الذي جاب المملكة سيراً على قدميه سنوات طويلة، ورغم فروق السنوات بين الرحلتين كان أحد شهودها واحداً وهو الشريف عبد العزيز الوكيل الذي أثرى الرحلتين بمعلوماته

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟