الحاجز الرابض.. شهادة الخبرة

أكثر ما يؤرق حديثو التخرج المقبلون على العمل (شهادة الخبرة)، هذا الحاجز الذي يستخدمه أصحاب العمل كابن شرعي للقبول في الوظائف المعلنة!

وهذا الحاجز الغريب والأصيل في نظر جهة التوظيف، ربما يكون أكبر حيلة في توجيه الوظيفة لشخصٍ ما، محدد بعينه، وما هذا الشرط إلا للتنصل من المسؤولية المجتمعية والقانونية في إعلانات الوظائف، من وجهة نظر طالبي الوظيفة.

من أين يأتي حديث التخرج والذي أنهكته الدراسة الجامعية، وظروف الحياة الأخرى بشهادة الخبرة؟ في الوقت الذي يكون فيه تواقًا للعمل والوظيفة ليبدأ رحلة جديدة من محطات الحياة الروتينية!

فيضطر بعضهم للبحث عن الخبرة من خلال بعض الجهات والمؤسسات متنازلاً عن كثير من حقوقه، من حيث نوع العمل الذي يفرض عليه من مسيري المنشأة، وساعات العمل اليومي، والإجازات الأسبوعية، والرواتب والمكافآت، وغيرها من وسائل استغلال حاجات (الموظف) طالب شهادة الخبرة.

والبعض الآخر يبحث عن طرق أخرى للحصول عن شهادة الخبرة عبر الشراء -كما في بعض الدول الأخرى- حسب ما يتداوله هؤلاء البعض.

والعديد من الدوّامات وعواصف الأمواج التي تتخبط بهذا الشاب فترفعه مرة في قمة وهم وتلقي به مرة في قاع ومرات عديده تقذف به في مهب الريح!

لا تستهين بـ (شهادة الخبرة) فعد بعضهم مدتها سنة وعند البعض الآخر خمس سنوات، وربما تصل لسبعٍ (عجاف)، وحينها يكون الشاب قد بدت على وجهه مقدمات المشيب!

فإن كان تخرّج من الجامعة وعمره أربع وعشرون سنة فقد أقبل على الثلاثين وهو يزاحم وتقاذفه الأمواج العاتية من أجل الحصول على الوظيفة..

وحين يسعد بها يكون مجال عمله – في أحيان كثيرة- مختلف تمامًا عما في (شهادة الخبرة) عدا التمرس في الصبر والمكابدة للمحافظة على الوظيفة، وهذا على حساب أمور أخرى كثيرة، فلا يوجد وقت كافٍ لخوض تجارب أخرى!

هناك بعض الشركات (مشكورة) لها مبادرات في التدريب قبل التوظيف، ولكن العرض قليل مقابل الطلب.

فيا أصحاب العمل رفقًا بالشباب! رفقًا بحيويتهم ونشاطهم وتفكيرهم! رفقًا.. فقد تكالبت عليهم الظروف من كل جانب، فكونوا عونًا لهم لا عليهم، والمحصلة ستكون في مصلحة الجميع.

أما (شهادة الخبرة) فمن اخترعها وابتدعها، فقد جاء بـ (ما لم تستطعه الأوائل)! ولعله قد وقع تحت منصة من (كثر شاكوه وقل مادحوه)! ولا بد من وضع حلول لهذه (الشهادة) الإضافية، فإن كانت هي الأصل فلماذا يخوض الشباب غمار الدراسة الجامعية؟ بمعنى آخر يستفيد من سنوات الدراسة في إنهاء مراحل اجتياز الشهادة (الخبرة).

أو حل آخر، وربما يكون أكثر ملائمة، وأتقن جودة، وهو أن تكون شهادة الخبرة صادرة من الجامعة المنتمي لها الشاب أو الشابة، بحيث تكون ضمن المقررات الدراسية، بالتعاون بين الجامعات والقطاعات ذات العلاقة في العمل والتوظيف، فيتاح للطالب التدريب تحت إشراف أكاديمي على أن يمنح الطالب الخريج على ضوئها (شهادة الخبرة).

بعض الكليات والأقسام تقوم بهذه المهمة، ككليات التربية مثلاً والتي تخصص فصلاً دراسيًا للتدريب العملي، وغيرها تقدم التدريب لأشكال مختلفة لكن بدون أن تمثل ساعات التدريب هذه أي (قيمة) في اثبات ومنح شهادة الخبرة عند مقدمي الوظائف.

هذه مجرد اقتراحات للجهات ذات العلاقة، وهناك العديد من الحلول الأخرى لدى أهل الاختصاص يمكن من خلالها حل المشكلة، وإزالة هذا الحاجز الرابض في طريق الباحثين عن العمل.

هناك العديد من المؤسسات والمكاتب تستقطب طالبي شهادات الخبرة، فتعصرهم عصرًا، وتستفيد من كامل طاقاتهم، ليس لغرض هذه الشهادة (التي لم تكن بحسبان الشباب) وإنما لغرض النمو الخاص بها في زيادة وجودة الإنتاجية لمؤسساتهم ومكاتبهم.

بل يصل الأمر ببعض أصحاب هذه المؤسسات والمكاتب للإيحاء (إيهامًا) لطالب (الشهادة) بأن سيكون له الحظ في إدارة هذه المؤسسة أو المكتب.

لا أكتب من فراغ، بل هذا واقع مرير يعيشه أبناؤنا بعد التخرج من الجامعة، مما يضطر بعضهم لاختصار الوقت والتوجه للعمل في غير تخصصه، عبر خدمات التوصيل والعمل في المقاهي والمطاعم ونحوها ليوفر لنفسه ومن يعول قوتهم اليومي.

بحثت عن أول من اخترع (هذه الشهادة) ولم أتوصل إليه! بحثت عنه لعلي أجد عنده إجابة على بعض الأسئلة المباحة! وأولها لو كل جهة طلبت شهادة خبرة قبل التوظيف، فمن أين يأتي بها طالب الوظيفة؟ ربما من كوكب آخر!

قفلة: (وافضل الناس ما بين الورى رجل   تقضى على يده.. للناس حاجات

           لا تمنعن يد المعروف عن أحدٍ     ما دمت مقتدراً.. والعيش جنات) * الإمام الشافعي

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟