هاني الجهني .. من خندق اليأس إلى آفاق التألق

شمعة أمل أنارت رحلة ابتعاثه ودعوة أمّ حفزته للتحدي

حديث المدينة – خاص

قصة بعناوين مختلفة تحمل قبسا من الطموح وكثيرا من العثرات ومحطات الإخفاق. وحكاية بطلها شاب سعودي لا يملك من الدنيا إلا مصباح الأمل ودعوات الأم الطيبة.

لم يبدأ رحلته داخل بستان ملىء بالورود والياسمين بل على أرض صلدة بأحجار تُدمي القدم والساق.

هاني الجهني ابن المدينة المنورة. لم يكن صديق علم ولا رفيق كتاب بل قضى أغلب مراحل تعليمه يحوز الدرجات الأدني ويحصد النجاح بشق الأنفس – وفقا لوصفه -ومع التعثر النسبي -تعليميا – كان يحمل الجهني داخله شمعة مُنارة على الدوام تأبى أن تنطفئ. شمعة تحفزه لصناعة مستقبل وردي – ولوعلى وسادة النوم وأوراق الخيال.

قصة هاني الجهني تبدأ من خندق اليأس. هكذا تحكي البدايات الأولي. رسوب في الطب لعامين وسخريّة وتهكم من المحيطين وإرهاصات ومقدمات جميعها تٌنبىء بنتائح الفشل والإخفاق.

ولكن ما أجمله حقا وهو يثب الوثبة وينفض الرداء ويتخيّر لحياته – طواعية – الطريق الصعب.

لم ينتظر الجهني الإبتعاث بل أصرّ على السفر لأمريكا على نفقته الخاصة رغم اعتراض القريبين وتوقعاتهم بفشل الرحلة وخيبة الرجاء.  ولكنه لم يتراجع واكتفي بوقود الدعوات التي تلاحقه بها الأم الطيبة في كل صلاة حيث طالبته عند السفر بعدم الخوف مرددة عبارتها التي لا ينساها الجهني مع توالي السنوات (لو حققت حلمك استمر ولو أخفقت أنا لك بعد الله السند والعون.)

سافر هاني الجهني لأمريكا ليتعلم الطبّ على يد أقطاب المدرسة الأمريكية ويلتهم المعارف والخبرات ثم عاد إلى جامعة القصيم ومن بعد انتقل ” الانتقالة الفارقة ” مبتعثا إلى فرنسا لتكون المحطة الفارقة –  كما أسماها -والتي غيرت المسار وبدّلت ملامح الطريق.

منعطفات صعبة عاشها الجهني بفرنسا تباينت بين ضبابية المناهج واختلاف المدارس وصعوبة اللغة وعنصريّة البعض حيال العرب عامة والسعوديين على وجه الخصوص ليس هذا فقط بل جاءت الوشايات الكاذبة التي لاحق بها البعض مشواره حتى انه بات غير مٌرحب به في كثير من المستشفيات.

ثلاث سنوات وصفها بالعجاف لكثرة عثراتها لم يكن له سلوى في أيامها سوى الدعاء والإصرارعلى التحدّي ومع المعوقات كان يجدد الجهني داخله الأمل ويطمئن ذاته بأن غدا يحمل المفاجأة.

اختار الجهني بعد تخرجه جراحة المخ والأعصاب الأمر الذي أدهش أساتذته ممن كانوا يطالعون درجاته ويتعجبون من اختياره الجبل هدفا فيما تحت الجبل بساط سهل ومتسع.

(لعلك تحتاجني يوما ما ).. كانت هذه هي العبارة الدالة على التحدّي قالها الجهني لأحد أساتذته الذي حاول إثنائه عن التخصص الصعب. لا يدري نطقها بلسانه أو أنطقه الله بها. تحدّى وربح التحدي وتفاءل فصدّق على تفاؤله الرحمن وجاءه ذات الطبيب بعد سنوات يطلب منه إجراء جراحة لقريب له.

أول خطوة خطاها داخل غرفة الجراحة انتهت بالتواء قدمه قبل أن يسعد بلحظة يمسك فيها المشرط  .التواء تحول إلى ورم كبير أقعده أسير الفراش لعام كامل ومن بعد ثلاث عمليات متوالية على يد أطباء كبار وتنبؤات طبية بعجز وإعاقة دائمة ومع العام الصب كان يتذكر الجهني دعوة الأم وشمعة الأمل ويبدل وجع الفراش إلى إصرار جديد.

تعافى الجهني من أول محطة مرض وتجدد الحلم وزاد ضوء الشمعة مع أول جراحة لورم في المخ تم تكليفه بإجرائها منفردا حيث تركه أحد الأطباء الكبار – متعمدا – ليعيش أول اختبار عملي حقيقي وكله ثقة إنني سيجريها بكفاءة واحترافية.

أكمل الجهني الجراحة باحترافية بالغة وكم كان مزهرا بنجاحه فيها إلى حد استثماره لتقنية السناب شات ليبث جراحته الناجحة للعالم وليراها أبناء وطنه.

تعليقات المتابعين– إيجابية كانت أو سلبية – كانت تثير داخله السعادة. لم يكترث بالنقد ولم ينشغل بالثناء. بل يرى نجاح الجراحة محطة واحدة في مشوار ومن بعد تتوالى المحطات.

من السناب شات للتويتر ..تنقلات على الروافد التقنية حرص عليها ليلمس حصاد نجاحه في عيون المتابعين ..ومع كل ما حصده من ورود الرضا كان يستشعر داخله إنه طبيب لايزال يحبو على بساط تخصص المخ والأعصاب.

توالت الجراحات والنجاحات معا ومعها كانت العقبات والحواجز التي يستعذب القفز عليها

ومع السعادة اللامتناهية التي عاشها وهو يستشعر القرب من حلمه القديم –  إلا أن مفاجأة المرض داهمته من جديد وظهر ورم كبير في معدته شخصه الأطباء بالساركوما أو الكتلة السرطانية الكبيرة ليعيش من هول المفاجأة ثلاثة أشهر أسيرا للقلق والخوف مخافة الرحيل تاركا من خلفه الحلم الغالي والذريّة الضعاف.

كان ينظر إلى صغاره ويتساءل بينه وبين نفسه عن قيمة حياة قدمت له الورد – نجاحا وأبناء –  ومن بعد مدّت يدها لتحرمه من كل شيء. كان يبكي على وسادة يومه ويرتجي من ربه العون والحل.

(وما ظنك برب العالمين) هذه هي الآية التي كان يرددها – فجرا – وهي ذاتها التي هونت عليه المٌصاب وجعلته يستقبل الجراحة بقلب مطمئن وابتسامة على الثغر.

في غرفة الجراحة ومع قسوة الألم والوجع تعلّم الجهني الدرس الكبير. تعلّم ألا يستهين بأوجاع مريض .. تعلم كيف يُدمى الوجع العين ويزيد من هول الصرخات لذا آل علي نفسه ألا يتجاهل ألما ولا يستصغر وجعا بث به مريض.

ومع نجاح الجراحة وتخطيه عقبة الفزع بدأ هاني الجهني يقرأ الدنيا بعين مختلفة.  مد بساط التسامح مع الآخرين وتجاهل تعليقات تويترالسلبية.

رفض أن ينافس أحد على مضمار العمل وقرر أن ينافس نفسه فقط. تعلم الانشغال بالذات وصناعة الفرص واستثمارها.

كانت يكتب للشباب على مواقع التواصل ..لا تنتظروا فرصة الوظيفة تأتي لتطرق الأبواب. اصنعوا الأحلام الكبيرة وجاهدوا لتحقيقها . كان يشعر بمسئوليته الاجتماعية تجاه جيله ويبث لهم رسائل الطموح والإصرار من بعيد.

علا اسم هاني الجهني وبات حديث الأكثرية في المملكة ممن شاهدوا عملياته الناجحة وكأنهم معه في غرفة الجراحة حتى هاتفته إحدى الشخصيات المرموقة وأبلغه أنه يرفض كل الأطباء المشاهير في تخصص المخ والأعصاب عالميا ويريده هو لعلاجه. كان الأمر بالنسبة لهاني الجهني تشريفا ومحطة نجاح بالغة الأهمية فقد وصلت سيرته للمسامع وبات طبيبا موثوق في مشرطه وبالفعل أجرى الجراحة بنجاح بالغ

السيرة الناجحة لهاني الجهني انتشرت ليجري عمليات متعددة للأورام الدماغية والعمود الفقري كللت جميعها بالنجاح. ومع زيادة الجراحات بات الحُلم مشروعا وتمنى الجهني لو يكون أفضل جراح مخ وأعصاب في العالم – حسب وصفه – فهو يرفض الرقم 2 في حياته ويتمنى أن يكون الأول دائما.

وكيف لا يكون؟ وقد مهدت المملكة كل الإمكانات لمبتعثيها بدءا من الرواتب العالية مرورا بالرواتب والسكن الملائم وانتهاء بالعناية مكتملة الوجوه  .. لذا كان دائما ما يردد مقولته (أن تكون مبتعثا عاديا فهذا خطأ وأن تكون مميزا فهذا أمر طبيعي)

عاد هاني الجهني إلى المملكة – بعد رحلة ابتعاث تمكن خلالها من تحويل العثرة إلى محطة انطلاق. عاد يمتطى جواد الطموح متمنيا تقديم نقلة نوعية في جراحات المخ والأعصاب.

نقلة يمزج فيها بين الفنون العلاجية التي تعلمها في المدرسة الأوربية والشمال أمريكية ليس هذا فقط بل متمنيا ألا يخرج مريض مخ وأعصاب من المملكة ليٌعالج في الخارج مادام على أرض المملكة أطباء متميزون ومبدعون.

هذا هو هاني الجهني .. الشاب السعودي الذي رسب مرتين في الطب فحول الفشل إلى نجاح وعطله المرض مرتين فحول قطرات الدمع إلى وقود إرادة.

نموذج سعودي كتب على جدار الإبتعاث.  حٌلم كبير وإرادة ودعوة أم ثلاثية تكفي لتجاوز أسوار المستحيل

لمشاهدة الفيديو

لقاء الدكتور هاني الجهني “الجزء الأول ”

تعثر.. سقوط.. رسوب.. وكانت الانطلاقة على مضمار النجاح

لقاء الدكتور هاني الجهني “الجزء الثاني”

الصخور التي تتحطم عليها أمواج طموحك هيا الصخور التي تصعد بها إلى المجد

الجزء “الثالث والأخير” من تجارب الألم تولد لذة العافية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟