شاعر المدينة سعد بن سعيد العوفي

عمره 102 عام.. و4 دواوين إرثه الأدبي

“داء التخلف” أقدم قصائده وأكثرها ذيوعا

ولد في البادية، قرب المدينة المنورة، عام 1342هـ، وتلقى تعليمه في المدينة المنورة، وخرج منها شابًّا في طلب الرزق ونشدان المستقبل، فشغل عددًا من الوظائف الحكومية في جهات المملكة الأربع، وفي سبيل خدمة الوطن طال ترحاله بين مدن المملكة، وكانت الدمام آخر محطة ألقى فيها عصا التسيار، حيث أنهى فيها حياته الوظيفية مساعدًا لمدير جمرك ميناء الملك عبدالعزيز، ثم عاد إلى مدينة رسول الله مقيمًا مستقرًّا.

صدر له أربعة دواوين: (ملاحم الشرف)، (بيد أخي قتلت)، (بركان الغضب)، و(البلبل الأسير).
وكان لخروجه المبكر من المدينة المنورة، وعكوفه على حياته الخاصة ومهامه الوظيفية، وابتعاده عن الأوساط الأدبية والثقافية؛ أثر بالغ في غياب اسمه رائدًا أدبيًّا يضاهي بعض القامات الأدبية والشعرية، التي لمع ذكرها منذ منتصف القرن الرابع عشر الهجري؛ مثل أعضاء أسرة الوادي المبارك، فهو ندٌّ لهم في العمر وموازٍ في القدرة الشعرية، ومما يزيد من الحسرة لمتابعي وراصدي الحياة الأدبية في المدينة أنهم لا يجدون ذكرًا أو إلماحة عن هذا الشاعر، لولا أن الأستاذ الأديب المؤرخ محمد محمد حسن شراب -رحمه الله- قد أفرد له فصلًا في كتابه (شعراء من المملكة العربية السعودية)، تناول فيه شاعرنا بدراسة نقدية أكبر فيها من مكانته، منوهًا إلى أهميته من حيث الاتجاه الشعري والمضامين العالية، والشعور القومي والوطني، الذي تنضح به دواوين الشاعر، ولا سيما ديوانه (ملاحم الشرف)، يقول الأستاذ شراب:
ملاحم الشرف: عنوان الديوان، يريد به الشاعر (الملاحم الحربية) جمع ملحمة وهي المعركة أو الحرب التي يكثر فيها القتل، وقيل: هي موضع القتال، مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها؛ كاشتباك لحمة الثوب بالسدى، أو هو من اللحم؛ لكثرة لحوم القتلى فيها. قال الشاعر:
بملحمة لا يســتقل غرابها … دفيفًا ويمشي الذئب فيها مع النسر
يعبر الديوان عن ثلاثة عشر عامًا من عمر القضية العربية، من سنة 1392هـ إلى 1405هـ، ويكاد الديوان يكون مقصورًا على القضية العربية الأولى، قضية فلسطين وما يتصل بها، وما نتج عنها من القضايا الجانبية، ولم ينس الشاعر مآسي العرب والمسلمين الأخرى، فأفرد قصيدة عن المجاهدين في إريتريا، وقصيدة عن الحرب الأهلية في تشاد، وقصيدة عن مذابح المسلمين في أسام (الهند)، ولكن هذه المآسي لم تحصل لو لم تكن المأساة الكبرى؛ لأن الأسد إذا أصيب في عرينه، تجرأت الوحوش الكليلة على أطراف حماه.
ويهدي الشاعر ديوانه إلى كل بطل وقف في وجه الصهاينة الحاقدين، وإلى كل جندي سقط في سبيل الذود عن حمى الإسلام، ويستمد نشيده من أزيز رصاص الشهداء، وهدير مدافعهم:
أنشودة الرشاش وهو مغرد دون الحمى ردًّا على الأشرارِ
أشجى وأوقع من أهازيج الغنا عزفت على الأرغون والقيثارِ
الأصل شعرك أطربت أوزانه دنيا فرَجْعُ صداه في أشعاري
وأقدم قصيدة مؤرخة في الديوان 1392 هـ (1972م) بعنوان “داء التخلف”، ولا يقصد الشاعر داء التخلف المادي، وإنما يقصد الفقر السياسي الذي أدى ويؤدي إلى التخلف المادي والفكري؛ لانصراف الإمكانات البشرية والمادية إلى التناحر بين الإخوان، مما حطم الأحلام التي كانت تنتظر التحقق بعد استقلال الدول العربية:
حلمٌ تحطم فالآمال ترثيه ما كاد يشرق حتى قام ناعيه
قد كان في الغيب والأجيال ترقبه حتى إذا ما تجلى خاب راجيه
ولى الدخيل فقلنا كل معضلة أو كل صدع كفاح الشعب يشفيه
كما أن شاعرنا يعرف لولاة أمر هذا الوطن الكبير فضلهم وأثرهم، منذ أن وحد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- هذا الكيان الكبير، فآل السعود كما يقول شاعرنا (سجل مشرق بالسؤدد)، فهم الذين أعادوا إلى جزيرة العرب سالف مجدها، وأحيوا في نفوس أبنائها شجاعة العرب ومروءتهم، وعزة الإسلام وصفاء مبادئه، وإلى قلب الجزيرة تتطلع القلوب، وعلى أهلها تنعقد الآمال، حيث يقول صاحب ملاحم الشرف:
آل سعود سلالة العرب الألى أنتم طليعة زحفنا المتجددِ
صونوا حمانا كلما خطبٌ دجى فبجدكم تسمو الشعوب وتقتدي
درع الشريعة والعروبة أنتم ولكم سجل مشرق بالسؤددِ

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟