وفي وصفها يحلو الكلام (2)

 

مدينة استثنائية، وبقعة “نور” صدّرت للدنيا شعاع الروحانية والسلام، لها ملامحها الخاصّة، ومزاياها التنافسيّة، وسجل حكاياتها الحصري.

المدينة المنورة يعرفها كُل العالم، ولكن لا يدري عنها بحق إلا أهلها ممن نعموا بالعيش فيها، تبدو في عيونهم كعُملة النقد الذهبيّة، كل وجه له جمال وبريق، ماضٍ صنع مجدا، وحاضرٌ يُكمل صناعة المجد.

كل شيء في المدينة المنورة ينطق بمفردات الجمال، لا فرق بين لسان أهلها المُتعطّر بعطر الأدب والأخلاق، ولا صوت أرضها الذي يحكي الضيافة والحفاوة وحُبّ الغريب، ولا حوارات مجالسها المدينية التي تقدم العلم والثقافة على بساط القرب والمحبّة، ولا أرشيف ذكرياتها المليء بأجمل القصص والحكايات، ولا مزارع نخيلها التي تُهدي العالم أطيب الثمار.

مدينة خاصة.. في سماتها وملامحها وتراثها، حتى يجوز لي وصفها بالمدينة “الجامعة”، مقارعتها جمالا ومنافستها سحرا ضرب من ضروب الخيال.

الأرض والإنسان تشاركا في صناعة مجد هو أغلى المجد، ذلك المجد الذي وثقه التاريخ منذ زمن بعيد، ولا يزال يوثقه حتى اليوم، بما حققه إنسانها من نقلة مشهودة على أرضها.

ومع التاريخ ومجده وحكاياته القديمة، تبقى المدينة المنورة عطشى لمزيد من توثيق على يد أبنائها المعاصرين، تبقى في حاجة لمن يقدمها للعالم وهي ترتدي العصريّة والحداثة.

لقد حفظ سجل التاريخ القديم كلّ المدينة المنورة، لم يغفل شيئا، حفظ قصص المؤاخاة، وبناء قباء، وخطى الرسول في كل موقع ومكان، ولكن التاريخ ذاته ترك سجله مفتوحا لنكمل نحن ما بدأه من سبقونا.

لماذا لا نكتب اليوم عن ملامحنا، وتراثنا ومعمارنا، وخير نخيلنا، ورقعة مزارعنا، وصروحنا -علاجية وتعليمية واقتصادية- والتي تعلو اليوم على أرضنا؟

العالم يعرف المدينة المنورة عند “حقبة زمنية” واحدة، ولا يعرف عن ملامحنا اليوم شيئا، لم يتعرف على الكثير في كل المدينة؛ لأننا لم نمنحه الوثائق الوافية، بل تركناه للمجتهدين وغير المتخصصين، فظهر لنا العك المعلوماتي، وكلٌّ بتاريخها يفتي!!

مرحلة الـ300 عام الماضية للمدينة المنورة، شهدت العديد من الأحداث المهمة، وهي المرحلة الأكثر أحداثًا وتغييرًا، ولكنها الأقل توثيقاً.

فهناك شخوص وأحداث ووقائع تحتاج إلى جهد كبير للتعريف بها، بعد أن نالها التهميش أو عدم القدرة على التوثيق لها، ويبدو أن هذا الدور التوثيقي الهام تقع مسؤوليته على عاتق الجميع، سواء كانت جهودا فردية أو مؤسساتية.

ولكن -برأيي- أن الحمل الأكبر يقع على مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، بحكم أنه الأقدر علميًّا وبحثيًّا على هذا، ولا شك أن هناك جهودًا قائمة من المركز حاليًّا، ولكنها غير ظاهره إعلاميًّا بما يكفي.

وهناك حتى ملامحنا وواقعنا التراثي وفنوننا الشعبية وأزيائنا التراثية، والتي تحتاج إلى جهد أكبر من جمعية الثقافة والفنون للحفاظ عليها كموروث شعبي مهم يوثق للجميع موروثهم وعاداتهم، ويحفظ لأجيالنا تراثهم وتاريخهم.

المدينة في حاجة فعلية إلى جهود كبيرة في هذا الجانب، ولا أعرف حتى الآن لماذا ما زالت جامعتاها العريقتان (طيبة، والإسلامية) تغيبان عن إنشاء كراسٍ بحثية، أو تشجيع وتمويل دراسات تبحث وتوثق لهذا الإرث العظيم لإنسان المدينة المنورة.

ونتحدث.. ونصف..
ففي وصفها يحلو الكلام.
فليتنا نتكلم ونكتب ونصف أكثر وأكثر.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟