
أهمية الغياب الذي يستدعي الحضور
بقلم: حسان طاهر
يقال عندما سُرقت لوحة الموناليزا الشهيرة من متحف اللوفر عام ١٩١١م وظلت مفقودة لمدة عامين، كان عدد من جاء للتحديق في مساحتها الفارغة، أكثر ممن جاء للنظر إليها خلال 12 سنة مضت.
فعلاً للغياب أحياناً قيمة عالية مثل قيمة الحضور وقد تكون أكثر، ومتعة مثل متعة الوجود وقد تكون أجمل، وعلى الرغم من أن لوحة الموناليزا لوحة مبهرة رسمها فنان عصر النهضة الرسام الأول ليوناردو دافنشي، والنظر لتفاصيلها متعة للعين وتغذية للوجدان، الا أنها مثل الكثير من اللوحات الشهيرة الأخرى لا تختلف في زواياها وطرق رسمها، ولا يوجد سبب واحد لجعلها اللوحة الأكثر شهرة في العالم باستثناء الظروف التي أحاطت بها منذ عرضها في متحف اللوفر.
كان لسرقة اللوحة وما أعقبه من جنون إعلامي أن جعلها تحظى باهتمام عالمي غير مسبوق، وأصبحت حديث العالم بمختلف اطيافه، فبعد مرور خمسة قرون على رسم اللوحة، كان فقدها سبب رئيسي لجذب الملايين من المتفرجين والمعجبين، حتى أصبحت أشهر لوحة في العالم، رغم أنه اذا تسنى لك رؤيتها عن قرب فقد تتساءل عن سبب كل تلك الضجة والشهرة، فما هي الا مجرد صورة لامرأة عادية ترتدي ملابس متواضعة تتكون من رداء داكن اللون وتضع غطاء شفاف للرأس ولا ترتدي أي مجوهرات.
ان الحس العاطفي والوجداني لافتقاد الشيء واستشعار غيابه فطرة جُبلت عليها النفس البشرية، وقد يكون للمثل العربي الشهير “من طوّل الغيبات جاب الغنايم” خير دلالة على هذه الحادثة التي جعلت من غياب لوحة الموناليزا وعودة ظهورها مرة أخرى أعظم لوحة عرفتها البشرية.
أخيراً .. هل يمكن أن نردد في غيابنا الذي طال وامتد لأكثر من عام عن زيارة المتاحف بسبب جائحة كورونا أبيات قيس بن ذريح في حبيبته:
وَدِدتُ مِنَ الشَوقِ الَّذي بِيَ أَنَّني
أُعارُ جَناحَي طائِرٍ فَأَطيرُ
فَما في نَعيمٍ بَعدَ فَقدِكِ لَذَّةٌ
وَلا في سُرورِ لَستِ فيهِ سُرورُ
وهل سيكون هذا الفقد والغياب استحضار مبهر للمتاحف حول العالم في قادم الأيام؟؟