مغامرات زفة السيل!

في القاموس المحيط: زَفَّ العَروسَ إلى زَوْجِها زَفّاً وزِفافاً: هَداها، كأَزَفَّها وازْدَفَّها،

وزَفَّ البَرْقُ: لَمَعَ، وزَفَّ الظَّليمُ، وغَيْرُهُ يَزِفُّ زَفّاً وزُفوفاً وزَفيفاً: أسْرَعَ، كأَزَفَّ، أو هُما كالذَّميلِ، أو أوَّلُ عَدْوِ النَّعامِ،

وزَفَّ الريحُ: هَبَّتْ في مُضِيٍّ، وزَفَّ الطائِرُ زَفَّاً وزَفيفاً: رَمَى بِنَفْسِهِ، أو بَسَطَ جَناحَيْه.

ما سبق فائدة لغوية لمعنى زفّ (ز ف ف)، والزِفاف بكسر الزاي معروف للجميع وهو نقل الفتاة إلى بيت زوجها، ولعل من الجدير الإشارة إلى خلط الناس وغلطهم حين يقولون (زَفاف (بفتح الزاي) فلان على فلانة) والصواب أن يُقال (زِفاف (بكسر الزاي) فلانة إلى فلان)، فالزِفاف يكون للمرأة لا للرجل ويستخدم حرف الجر (إلى) لا (على).

انتهينا من حفل الزفاف المعروف (الزواج) لننتقل لـ (زفة) أخرى جديدة (زفة السيل)!

وإن كان الفرح يطرّز أجواء (الزفة) في الحالتين إلا إنه في الأخيرة يكون محفوفًا بالمخاطر والكوارث بنسبة كبيرة على عكس (الزفة) الأولى تمامًا.

ولم تُعرف للسيل زفة!

فما يقوم به البعض في استقبال السيل في الأودية ومواكبة مسيله في ابتدائه، تعبيرًا عن حالة الفرح والاشتياق فيه من الخطورة الشيء الكثير، فيه تعريض النفس للهلاك والممتلكات للتلف وللآخرين إغراء وللأهالي قلق وللسلطات إزعاج!

تحذيرات وتحذيرات تطلقها الجهات ذات العلاقة بتجنب الأودية ومسالك السيول أثناء الحالات المطرية، والكل يعلم ويدرك تلك التحذيرات ولكن في كل مرة تتكرر الحوادث وتستنسخ المواقف وأبطالها العالقون في السيل.

ولا تظن أن هؤلاء من المراهقين بل تجد منهم من تجاوز سن المراهقة بمراحل وربما يكون ذا مكان مرموق اجتماعيًا، لكنه يتصابى في مثل هذه الحالات!

اختلفت طرق التعبير عن الفرح والابتهاج بهطول الأمطار وجريان الأودية بالسيول عند العرب، فقديمًا وكذا العقلاء اليوم يكون التنزه بعد انتهاء فترة الهطول والاطمئنان للحالة الجوية، أما مع مغامري التصوير الآن فتكون في ذروة أوقات الخطر!

قال الفرزدق: أصابنا بالبصرة مطرٌ جودٌ ليلاً، فلما أصبحت ركبت بغلةً لي حتى انتهيت إلى المربد، وإذا آثار دوابٍ قد خرجن، فظننت أنهم قد خرجوا يتنزهون، وخليق أن يكون معهم طعامٌ وشرابٌ، فاتبعت آثارهم حتى أتيت إلى بغالٍ عليها رحالٌ جنب الغدير فأسرعت السير فإذا في الغدير… إلى آخر القصة والتي فيها ما فيها من دراما وحكايات لعل أبرزها ما رواه الفرزدق لقصة يوم دارة جلجل حين باغت امرؤ القيس الفتيات وهن في الغدير وحجزه ملابسهن حتى خرجن واحدة تلو الأخرى!

وكان أهل المدينة يهرعون إلى وادي العقيق حين يسمعون بجريانه، ويستمتعون بمنظر سيله، بل يعقدون مجالسهم كل فئة حسب توجههم. وذكرت المصادر العديد من القصص التي كانت على ضفاف (الوادي المبارك) العقيق.

وكذلك يكون في كافة الأودية يخرج الناس ليمتعوا أنظارهم بسيولها وهي تجري وتنساب فيحمدون الله على ما رزقهم.

وهكذا يكون دائمًا خروجهم بعد زوال الخطر المحتمل وبعد أن تتضح الرؤية وتهدأ الأحوال الجوية.

لقد كانت للسيول قديمًا آثار حزينة، يتناقل الناس أخبارها وأهوالها حيث جرفت العديد من النفوس والمنازل والمزارع والمواشي والقرى، حيث كانت تباغتهم فجأة وهم غافلون، وفي وقتنا هذا يعلمون وفق تحذيرات الأرصاد والدفاع المدني لكن البعض إلى الخطر يهرعون فتتكرر بعض الحوادث فيستحيل الفرح حزنًا!

ويمكن لأي مهتم بمطاردة السيول ليشارك في (الزفة) أن يسأل كبار السن ليحدثه عن العديد من المآسي التي صاحبت تلك السيول والتي يسميها الناس بمسميات غاية في الحزن وتأكيدًا لبلاغة الأثر بل وبها يؤرخون.

لا يمكن لأحد مصادرة الفرح عن الآخرين، ولكن يجب ألا يكون الفرح مصدرًا لحزن وألم وخسائر وقلق.

(ليس المخاطر بمحمود وإن سلم) مثل عربي قديم يجب أن يكون حاضرًا مع أصحاب المغامرات غير المحسوبة العواقب.

                                                         (تثاءبَ المساء   والغُيوم ماتزال تسِح ما تسح.. مِن دُموعِها الثقال

                                                            كأنَ أقواسَ السَّحاب تشرب الغُيوم   وقطرةً فقطرةً تذوبُ في المطر) *بدر شاكر السياب

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟