فنون الطهي .. ثقافة متحفية بطعم التاريخ!!

بقلم: حسان طاهر

 

في وسط المنطقة التاريخية المحيطة بالمسجد النبوي وعلى مشارف أقدم الطرق الشهيرة الممتدة في قلب المدينة المنورة والمعروفة بشارع قربان، ستجذبك الروائح الغنية لإرث المطبخ المديني وأنت تتجول بين الحوانيت العتيقة والمطاعم التقليدية داخل أعرق الأسواق المدينية “سوق الطباخة”.

ان هذا السوق بما يحمله من تفاصيل تاريخية جميلة, يقدم لأهالي المدينة وزوارها تجربة استجمام غنية للمطبخ المحلي, ففيه تستمتع بمنظر الأطباق وهي تعد بطرقها التقليدية, وتطرب لسماع الباعة وهم يروجون لأطعمتهم بالروايات والقصص المحلية الشعبية, فيما تأخذك الروائح الشهية برحلة شيقة عبر تاريخ النكهات والتوابل الشرقية.

هذه التجربة الرائعة دائماً ما تقودني لسؤال عابر: ماذا لو كان لدينا متاحف طهي تستعرض التنوع الغني الذي تحظى به المملكة عبر مناطقها العديدة؟؟ خاصة وأن كل منطقة تتميز بتقاليد الطهي الخاصة بها.

لو استعرضنا مجموعة من المتاحف العالمية في هذا المجال سنجد تجارب رائعة ورائدة ,, فمثلا متحف ومطعم شروان شاه بمدينة باكو في أذربيجان, متحف استثنائي يقدم لك تجربة المذاق الاذربيجاني وسط تاريخ الدولة العريقة. أيضا متحف فن الطهي العالمي بمدينة ‫ليون الفرنسية والذي يغمرك في عالم فن الطهي الفرنسي والعالمي باستخدام كافة الحواس. بالإضافة لمتحف الجبن الهولندي في مدينة ألكمار بهولندا والذي يستكشف تاريخ صناعة الأجبان وأصولها. ومتحف Lindt في سويسرا أكبر متحف للشوكولاتة في العالم. وهناك المتحف الغريب كوب نودل بيوكوهاما في اليابان والمخصص فقط للمعكرونة سريعة التحضير “النودلز”.‬‬

في الآونة الأخيرة تم انشاء هيئة خاصة لفنون الطهي تحت مظلة وزارة الثقافة وهو ما أراه تطور مذهل في سعي الوزارة لدفع عجلة التحول الثقافي بالسعودية. ولو نظرنا الى الاستراتيجية التي اعتمدتها الهيئة لتنفيذ مشروع تطوير قطاع الطهي في المملكة سنجد من أهم ركائزها تحديد أصول وتراث الطهي والمحافظة عليها, وتطوير مهنة الطهي وتعزيزها, وترويج الروايات والقصص المحلية والتقليدية المتعلقة بفنون الطهي.

ان وجود متاحف تعكس ثقافة الطهي الغنية في مناطق المملكة سيعزز من عملية ترويج هذه الثقافة وسيسهم بشكل كبير في التعريف بتقاليد الطهي, والتي نجدها تتنوع بشكل كبير وتختلف من منطقة الى أخرى. فمن المقتنيات وأدوات المائدة التقليدية الى العروض وتقديم الضيافة مروراً بورش العمل والدروس التي ستحتضنها المتاحف, كل ذلك سيوفر الاستجمام الأمثل لمطبخ الأسرة السعودية.

حتى على المستوى الدولي فان وجود مثل هذه المتاحف خصوصاً في مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة سيحقق الهدف المنشود من الترويج, لعدة عوامل رئيسية ومهمة تأتي في مقدمتها المواسم الدينية وما ارتبط بها من ارث تاريخي لهذه الثقافة, يعززها التنوع الغني للمائدة المكية والمدينية, والطلب المخصوص لهذا الارث من كافة الجنسيات العالمية.

أخيراً .. التمر , الحيسة , القهوة , الشريك , الدقة , الشابورة .. غيضٌ من فيضِ المأكولات المدينية التي شكلت ثقافة بطعم التاريخ، وأصبحت براندات غذائية خارج المدينة المنورة تميز بها ارث المطبخ المديني.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟