سالوبيك “المسيحي” يزور الحرم ويصوم رمضان ويتصدّق

غابت اللحظة المؤثرة في فيديو سالوبيك
بول يحزن لفراق الصحبة
نستظل معاً تحت الشجر وبجدران الغرف والمساجد المهجورة
ضحك لبرتقالة الأفغاني وتناول إفطار رمضان بالحرم

علي الحربي

ترجمة آمنه الشيخ

الحلقة الرابعة

جوانب إنسانية كشفتها رحلتي مع Paul Salobek “المسيحي” الذي زار مسجد الرسول الكريم وصام رمضان وتصدّق في المساجد، احترم الإسلام -نهجاً وسلوكاً- واستظلينا معاً تحت الشجر وداخل الغرف المهجورة وبجدران الآبار والمساجد، أدرك بأخلاقياته أجمل الخصال وأرقاها. هكذا رأيت سالوبيك في رحلتي راقياً في الطباع والسلوك والأخلاق حتى ولو لم ينطق مثلنا بالشهادتين.

بنونه ورمضان والحر الشديد

توقف Paul في بدايات رحلته في المملكة لفترة طويلة بمنطقة “الرايس” التي تبعد حوالي 250 كيلو من جدة بعدما أُصيب رفيقه العميد متقاعد الشريف محمد بنّونه أثناء المشي بمضاعفات من عملية جراحية كانت قد أُجريت له أجبرته على التوقف وطال هذا التوقف بسبب نصح الجميع له بأن لا يُكمل رحلته في تلك الأشهر التي تزامنت مع دخول شهر رمضان المبارك والحر الشديد الذي تصادف مع تلك الفترة، بالإضافة إلى بحثه عن مرافق له في الرحلة.
كان حريصا على استثمار لحظات التوقف في أي مدينة بزيارات لمعالم أو اكتشاف، بالإضافة لوضع خطة للطريق الذي سنسلكه خلال رحلتنا من مدينة إلى مدينة، أو زيارات لمدارس ليشرح أهداف رحلته. لذا استثمر توقفه بعد اعتذار بنّونه بزيارة المدينة المنورة والحرم النبوي الشريف، كان ذلك قبل أن أتعرف إليه أو نبدأ الرحلة سوياً.

اكتشف صديقك

يُقال.. إذا أردت أن تكتشف صديقاً فسافر معه، وعلى الرغم من أن علاقتنا بدأت كنوع من العمل، وما نسمعه عن الغرب أنهم عمليون جداً إلى أن سالوبيك كان قريباً لي حتى أن الفراق بيننا في “العقبة” كان من أصعب اللحظات عليّ -وأنا أعرف نفسي عاطفياً بدرجة كبيرة- إلا أنني فوجئت بمشاعر الفراق واضحة على عيون Paul الذي كان دائماً ولازالت لغة الحوار معنا باستخدامنا لكلمة (أخي) أكثر من كلمة (صديقي)، هذا التعامل والعاطفة ليست معي فقط؛ بل كل الفريق كان عاطفياً وتأثر من فراقهم عند الحدود مع العقبة.. من عوض السوداني وسعيد الفايدي (المسؤول عن الدعم اللوجستي) وأخوه (حسن) الذي كان يؤنس وحدتنا في بعض الليالي بطيب أخلاقه و”فزعاته” لي شخصياً بطلباتي والتواصل مع والدي لتطمينه عني حينما كنا نمضي أياماً في الصحراء بدون شبكة جوال.

ظل المسجد

كنت شديد الإعجاب بـ Paul، فبالإضافة لقيمه الإنسانية التي كانت دائماً تظهر من خلال الاهتمام والاحترام الشديد للجميع، بما فيها المعتقدات حيث كان يبدأ بالسلام دائماً وينطقها باللغة العربية وكانت سمه بإن يقول (السلام عليكم) وكلمة (إن شاء الله).
كان دائماً يطلب من عوض تقديم وجبة دسمة -على حد وصفه- للجملين (فارس وسيما) في الليل، وفي الصباح يترك المتبقي من الشعيروالبرسيم لمن يستفيد منه بعدما نرحل، ومن شدة احترامه وأدبه وحرصه على المعتقدات كنا نتوقف عند مسجد قديم جداً يكاد يكون مهجورا فالشبابيك مهترئة والباب يكاد أن يُخلع، إلا أن Paul -رغم الحر الشديد- كان يستظل بجانب المسجد ولم يدخله رغم أنني قلت له نحن نُسمي المساجد “بيوت الله” ومُتاح دخولها للجميع.

الصدقة

سألني سالوبيك: علي، هل أستطيع أن أترك ما تبقى من “الشعير” الخاص بالجملين داخل المسجد ليستفيد منه غيرنا؟ فمن المحتمل أن يمرّ على المسجد من يُصلي ويأخذه ويستفيد منه، قلت له طبعاً، ونحن كمسلمين نُسمي هذا نوع من “الصدقة” أعجبت العبارة سالوبيك، وكان كلما أعجب بكلمة يحاول أن يُكررها عن طريق تكرارها دائماً وسؤالي كلما نسيها لأعيدها عليه.
كان حريصا جداً أن أنطقها وأن يحفظها كما يُرددها العامة وليس كما هي في اللغة العربية الفصحى، على ما أذكر كان من أكثر الكلمات التي كان يرددها في القصص وحينما يُحذرنا حينما نستعد للنوم في الليل هو (الثعبان) وينطقها بـ (داب) وكأنما يختلق موضوعاً ليذكر هذه الكلمة.

لا تكررها

قلت له بالعربي (فاولنا خير) ولا تُكررها كثيراً -ثم ترجمتها له عن طريق الشرح وليس حرفياً- أن تكرار الشي قد يحدث فعلاً ويتحقق كما هي كلمة (الجن) الذي دائما ما يتكرر علينا أماكنه في كل منطقة ننزل فيها -ليلاً- على حد وصف أهل المنطقة من البدو الذين يتوقفون عندنا من باب الفضول تارة وعرض خدماتهم علينا واحتياجاتنا إن كنا نريد المساندة تارة أخرى.

المدينة المنورة

حينما التحقت بالرحلة وعرف سالوبيك أنني من المدينة المنورة قال: لقد زرت المدينة وتناولت الإفطار في رمضان في ساحات الحرم وصورت فيديو لتلك اللحظات التي كانت مؤثرة له -وهو ما كتبه في موضوعه الذي نشره في ناشيونال جيوغرافيك- قلت له حينما شاهدت الفيديو الذي نشره: أجمل ما كان يحتاجه الفيديو وهو ما لا يعرفه من عمل على المونتاج وهو أن أجمل لحظة مؤثرة هي أن المسلمين يبدأون في تناول الإفطار في رمضان في وقت واحد عند بداية أذان المغرب، وكان الفيلم سيكون أكثر تأثيراً لو أن أحد المسلمين أشار لصانع الفيلم بأن يبدأ بعرض لقطات الافطار عند لحظة الأذان.

في المسجد النبوي

كتب Paul عنوان (في المسجد النبوي) وترجمت الزميلة آمنة الشيخ ما كتبه Paul بالتفصيل حتى يلمس القارئ حرص هذا الرجل وأدبه واحترامه، فلا غرابه عليه فهو بالتعاون مع جامعة هارفارد يعملون على برنامج مجان عبر الإنترنت للطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و 19 عامًا والذي خدم حتى الآن أكثر من 30000 طالب في 60 دولة على منصة وسائل التواصل الاجتماعي المصممة خصيصًا لـ Out of Eden Learn ، حيث يجتمع الطلاب من نفس الأعمار من مختلف البيئات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية معًا من أجل تجارب التعلم الجماعية وعمل حوار مع Paul والإجابة عنها،
وقد شاركت في إحدى تلك الحوارات مع طلبة من دول مختلفة وهي ما اطلقوا عليها “رحلات التعلم” المصممة حول ثلاثة أهداف تعليمية حيث تجمع جميع الرحلات بين الأنشطة غير المتصلة بالإنترنت والتفاعل عبر الإنترنت ودعوة الشباب إلى التمهل لمراقبة العالم بعناية والاستماع باهتمام للآخرين وتبادل القصص ووجهات النظر مع بعضها البعض.و إقامة روابط بين حياتهم الخاصة والقصص البشرية الكبرى.

ماذا كتب سالوبيك في ناشيونال جرافيك؟

 

كتب سالوبيك في ناشيونال جيوغرافيك: “كنا في المدينة المنورة خارج المسجد النبوي مباشرة، في شهر رمضان، شهر الصيام، شهر التنقية والتطهير، أقدس شهر في التقويم القمري الإسلامي، مسجد النبي محمد، هو ثاني أقدس موقع في الإسلام بعد مكة، حيث اجتمع ستون ألف شخص عند الغروب لتناول الإفطار معاً، شعرنا بطاقة وإهتزاز ضوء منير في الهواء حيث السماء صفراء شاحبة رقيقة عند غروب الشمس.

على الجانب الآخر المقابل لي، جلس رجل ضخم من أفغانستان نورستاني أحمر الشعر. كان هناك أُناس من كل بقاع الأرض، جائعون، يتأملون داخلياً بعمق روحي وبهدوء ينتظرون.
أنا لست مسلما ومع ذلك كنت أصوم طوال الشهر أيضاً، بدافع الاحترام، وفي سبيل المعرفة. مرر لي النورستاني برتقالته، ومررت له الذي بحوزتي. فعلناها عدة مرات ضاحكين، ثم تناولنا الطعام في صمت”

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟