إبراهيم بن حسن الأسكوبي

الحديث عن إبراهيم الأسكوبي لابد أن يكون عبر قراءة ديوانه الذي جمعه وقدمه الدكتور محمد العيد الخطراوي -رحمه الله- ضمن سلسلة “دراسات حول المدينة المنورة”. وهو الذي يرد الفضل في إخراج هذا الديوان إلى الأستاذ خالد صالح الأسكوبي أحد أبناء عمومة شاعرنا إبراهيم الأسكوبي، الذي هيأ النسخة المصورة من الديوان، ودفتر السيد علي حافظ…

ولد إبراهيم الأسكوبي بالمدينة المنورة سنة 1264هـ، كما ذكر الزركلي، وفيها توفي سنة 1331هـ، غير أن عبد السلام الساسي صاحب الموسوعة الأدبية جعل ولادته 1269 ووفاته 1332.

ونشأ في المدينة وتعلم على أساتذتها ومشائخها، فحفظ القرآن الكريم وبعض المتون، ومن الطبيعي والقول للخطراوي أن يكون استفاد من علم والده الشيخ حسن الذي كان من المدرسين البارزين في المسجد النبوي.

ومن أساتذته الذين صرح بهم الشيخ حبيب الرحمن الهندي

(أقول لشيخنا القاري (حبيب)       سليل المصطفى: نلت الخلودا

تسمّع  يا إمام العلم شعري           وباركه   ارتجازًا   أو    قصيدا)

ولعل لشعر البرادة تأثير في شاعرية الأسكوبي حين خرج بشعره عن نطاق المدح والرثاء والغزل ونحوها إلى شيء من الشعر السياسي، الذي يعايش أحداث عصره ويتفاعل معها سلبًا أو إيجابًا، كما في قصيدة (يا آل عثمان) والتي أدت إلى سجنه وأسهمت في شهرته.

يا آل عثمان فالمغرور من غُرّا     بأهل أوربةٍ، أو عهدهم طرّا

أتأمنون  لموتورين  ديدنهم       أن لا يروا مكنمُ فوق الثرى حُرّا

وهي قصيدة طويلة قاربت الثمانين بيتًا وجاءت ضمن زيادة الدفتردار على المخطوط. ورغم شهرتها إلا إنها السياسية الوحيدة في الديوان، وكم من قصيدة أغنت عن ديوان! وربما كانت له قصائد أخرى ضمن الجزء المفقود من الديوان.

وعنها يقول عبد الرحيم أبو بكر (ومهما يكن أمر النقاش في مستوى هذه القصيدة من الناحية الفنية، فإن الأسكوبي كان ملتزمًا بموقف معين في إطار ثقافته وانتمائه…)

ومن الأغراض الشعرية التي تناولها الأسكوبي المديح وهو الغالب في الديوان، وأغلبه موجهًا إلى الشريف علي بن عبد الله أمير مكة حينذاك وما بينهما من ود وتبادل مواهب وعطايا، وله مدح للرسول -صلى الله عليه وسلم-بقصيدتين، ومدح لأساتذته، ومدح لشوقي والبستاني…، و له في الغزل أرقّه ما كتبه في ممرضة أثناء العملية التي أجريت له في بيروت..

يا دعد أين غدا قلبي وقد ذهبالما ذهبت فهل عنه وجدت نبا؟

فقدت بعدك نور الشمس طالعةفكل شيء على عيني قد احتجبا

ما كنت أحسب أن البعد يقلقني ويجمع الليل لي من بعدك الكربا

إذا سمعت صدى صوت يخيل لي كأنه منك صوت بالهنا  اقتربا

وإن على حجرتي قد مر بي أحدخال الفؤاد خيالاً منك فارتقبا

فلو نظرت إلى نفسي يخيل لي بأنني أنت، لولا الشيب بي لعبا

إن تسأليني عن أسباب حبي أو عن ذا الهوى فاطلبي من حسنك السببا

فلينظروا بعيوني إن بهم عمه ما كل عين ترى الأشيا كما وجبا

وله في الإخوانيات والرسائل الشعرية، من ابداء شوق لغائب أو عتاب صديق أو مفاكهة أو تهنئة.

وفي الوصف تبرز قصيدة المفاخرة بين وابور البحر ووابور البر وهي مطولة من اثنين وتسعين مخمسًا ومنها:

وبعد: فاسمع هذه المفاخرةوما بها من أدب المناظره

ما بين وابورٍ يعد باخره​ ​وآخر في البر كيف صادره

                             كلاهما كفرسي رهان

وله قصائد معربة من اللغة التركية ولكنه لم يكثر منها، وهناك أغراض أخرى ألمّ بها إلمامًا قليلاً كالشكوى والألغاز.

ولا يستطيع دارس الحركة الشعرية في المنطقة إلا أن يضع الأسكوبي في إطار عصر البعث العربي في العصر الحديث، يقول عبد القدوس الأنصاري (ثم بدأ عصر البعث العربي في أعقاب حرب الدولة العثمانية مع إيطاليا… فكانت بلاد العرب تموج بحركات الاستنكار لالتواءات الرجل المريض، كما تموج بحركات اليقظة والشعور بالذاتية… ونفخ شعراؤها في أبواق التبشير…)

وجاءت قصيدة (يا آل عثمان) من المدينة المنورة، فإذا بقائلها الأسكوبي يزجي بها نصحًا وتوجيهًا للعثمانيين الذين تشاءموا من وعي سبق أوانه! فزُجّ به في سجون بلاد الغربة، وما رحموا كبر سنه، ولا قدسية موطنه ولا علمه وأدبه، (وهذا كله أمر ذو بال بالنسبة لشاعر من شعراء ذلك الجيل…) كما نقله الخطراوي عن مجلة المنهل.

وقد عاصر الأسكوبي عددًا من الشعراء منهم عبد الجليل برادة وعبد الواحد الجوهري الأشرم المكي ومحمد العمري وهو الجيل الذي تلقف الراية عنه جيل ضياء الدين رجب والدفتر دار والعواد وحمزة شحاته وحسين سرحان وزملائهم.

وبصفة عامة فشعر الأسكوبي تردد بين التقليد والنزوع إلى التجديد، إذ يعتبر رائدًا لشعراء جيله في الحجاز بثقافته اللغوية الواسعة وببعض صوره الجميلة والأغراض الجديدة التي طرقها.

حاول الالتقاء بأحمد شوقي وراسله ولم يجبه، والقول له (وقد أرسلت للمذكور (يعني شوقي) القصيدة فامتنع من المواجهة، ولم يزرني، فأرسلت له هذه القطعة فم يجب بشيْ، وهي:

يا سيدًا أخلاقه       جلّت على أني أراه

وافتك مني بضةٌ       في وصفك السامي علاه

بدوية أترابها       ما بين هاتيك الغضاه

مدنية يدري بها       بطحان والوادي قناه…)

وله عدد من المخمسات منها:

يامن تمايل في ثوب الهوى تيها​​وجل في الحسن تمثيلاً وتشبيها

نفسي تؤمل أن ترضى فترضيها​​(رضاك خير من الدنيا وما فيها وأنت للروح أهنا من تمنيها)

عيني دمًا بعد ما فارقتها ذرفتوالنفس بعدك عن كل الورى انصرفت

يا سيدًا في الوفا أخلاقه اختلفت  (الله يعلم أن النفس قد تلفت

                                       شوقًا إليك ولكني أمنيها)

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟