ليالي تشرين..

في ليالي أكتوبر الشهر العاشر في السنة الميلادية، والذي يعد من أشهر فصل الخريف، يكون لليل معنى مختلف، يستبشر الناس به نظرًا للتغير المناخي وتميل درجات الحرارة للانخفاض (تدريجيًا)، مما يساهم في جودة اللقاءات والمسامرات الليلية.

ولا يتردد الأصدقاء في تلبية دعوة للقاء أخوي عفوي في أحد الأماكن المفتوحة السقف، للحوارات والمناقشات و(المناكفات) أحيانًا!

واكتوبر بحسب التسمية الغربية يقابله (تشرين الأول) حسب التسمية الشرقية (السريانية)، ولتشرين ارتباط ثقافي وأدبي، وله حكايات حتى في الأمثال الشعبية، يقال مثلاً (في تشرين ينتهي العنب والتين) و(اللي ما ارتوى من حليب إمه يرتوي من مية تشرين) و(ما في أنقى من قمر تشرين، ولا أعتم من غيم كانون)، والعروة التشرينية مصطلح للدلالة على موسم قطاف المحصول.

يقول المعري:( إِذا سَنَةٌ بَكى تَشرينُ فيها       وَساعَدَهُ   بِدَمعَتِهِ     أَذارُ

                    فَرودي حَيثُ شِئتِ بِغَيرِ أَزلٍ    وَلَيسَ عَلَيكِ مِن جَدبٍ حِذارُ)

في إحدى هذه الليال، كان لي لقاء مع بعض الأصدقاء المهتمين بالجانب الأدبي والثقافي في المدينة، وكالعادة لا يخلو لقاء كهذا من التعرض لـ (تيزار)، كونها الأولى في الساحة في المدينة المنورة تحديدًا. وهو أمر يسعدني كوني أحد الملتزمين في الكتابة في (تيزار) وتربطني بها روابط عاطفية أخرى!

ولابد للحديث التراوح بين الإطراء والثناء، والانتقاد والذي يصل أحيانًا للتقريع، والوصم بالتقصير والقصور!

وأبدأ (أنا) كمنافح ومدافع عن توجه الصحيفة وجهود القائمين عليها، والذي لا أستطيع البوح به هنا، كي لا أقع في وحل (التطبيل)، رغم معرفتي ببعض التفاصيل.

تمحور الحديث تلك الليلة عن صفحة (شاعر من المدينة) فباغتني عدد منهم (لماذا شاعر من المدينة؟) لماذا التركيز على الشعر دون غيره من فنون الأدب؟ وكان الجواب الحاضر لدي أن الشعر هو أصدق ما يعبر به الإنسان بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن رأيه ومشاعره، وهو الصورة الحقيقية لبصمة الشاعر الحقيقي دون أن تُجهد نفسك في البحث والتحري عن صحة نسبة النص!

ثم إن عدد الشعراء في المدينة كثير جدًا وهم امتداد تاريخي طويل، ويمكن الحكم على جودة نتاجهم وعلو شعرهم بسهولة أكثر من بقية الفنون الأدبية الأخرى.

والأهم أين هم الأدباء (الحقيقيون) في الفنون الأخرى في المدينة؟! وإن وجدوا فما مدى جودة منتجهم الأدبي؟

لا أنكر وجود أدباء كتبوا في التاريخ والرواية والقصة والمسرح، لكنهم قلة، وتعتبر تجارب مفردة. وإن كانت هناك كتابات أخرى فإنها تخلو من بصمة الأدب الواضحة، ولم ترتق كتاباتهم إلى المستوى المأمول، ولم تشكل أي منحنى في مؤشر الكتابة الأدبية!

بالعودة لـ (شاعر من المدينة) فلهذه الصفحة قصة، حيث كنت أكتب في حسابي الشخصي تحت( #شاعر_من_المدينة) عدد من الأبيات لأحد أصدقائي الشعراء في المدينة، فاقترح رئيسالتحرير أن تكون صفحة في تيزار بهذا العنوان مع التوسع في التعريف حسب المساحة المتاحة، أعجبني هذا الاقتراح، وبدأت في التواصل مع الصديقين نايف فلاح الجهني ويوسف الرحيلي فتوصلنا إلى أن يكون المقال هو للتعريف والتذكير فقط وبشكل مختصر عن أحد شعراء المدينة، دون الخوض في الدراسة الأدبية والنقدية لأي شاعر، وذلك مراعاة لعدد من الجوانب الفنية والوقتية، فاتفقنا على الهدف الرئيس  (التعريف والتذكير) بـ (شاعر من المدينة) في كل أسبوع.

كذلك رأينا أن تكون الصفحة باسم (تيزار)، دون أن تحمل اسم أي منا، تقديرًا للأخوة في التحرير والذين لهم لمساتهم الخاصة على المادة المقدمة، وهم أصحا المبادرة.

وبذلك بدأت صفحة (شاعر من المدينة) تتراوح بين الشعراء الحاليين والمعاصرين والسابقين، على أمل أن نستدرك أكبر عدد ممن أثرى ساحة الشعر والأدب في المدينة المنورة، ولا زلنا في أول المشوار وبداية الطريق.

وعتب الأخوة محل تقدير، وأدرك تمام الإدراك دوافعه، وحرصهم ولكن (ما لا يدرك كله لا يترك جله)

قفلة: (فَلا تَقرَبوا جُذمانَ إِنَّ حَمامَهُ     وَجَنَّتَهُ تَأذى بِكُم فَتَحَمَّلوا

        فَلَيسَ عَلَينا قالَةٌ غَيرَ أَنَّنا     نَسودُ وَنَكفي كُلَّ ذَلِكَ نَفعَلُ) *قيس بن الخطيم

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟