الثقافة المتحفية.. تحولات هيكيلية ونظرة مجتمع

بقلم: م. حسان طاهر

 

لطالما كان انخفاض الثقافة المتحفية لدى المجتمع المحلي وانخفاض تفاعل المتاحف معها من أكبر التحديات التي تواجه المتاحف السعودية وذلك حسب تقرير الحالة الثقافية في المملكة العربية السعودية الصادر من وزارة الثقافة مؤخراً لعام 2019م .فبالرغم من اهمية المتاحف لدى المجتمعات كنوافذ ثقافية تطل على الأمس ، ومفتاحاً لثقافة المجتمعات وحافظاً لذاكرتها وتراثها ، لكن لا زلنا نجد ضعف كبير في الاقبال على متاحفنا السعودية وقلة جاذبيتها في حصتها من الأنشطة الثقافية والسياحية .

خاصة وأن القطاع المتحفي في المجتمع السعودي قد مرّ بتاريخ طويل من الاهتمام ، فعلى الصعيد الرسمي نجد أن المملكة قد شاركت في تأسيس منظمة اليونيسكو عام 1364هـ / 1945م ، وشاركت من ذلك الوقت في المعاهدات الثقافية ضمن اطار جامعة الدول العربية في ضرورة الاهتمام بالآثار والمتاحف. وعلى الصعيد المجتمعي نجد متحف محمد صالح باعشن بمنزله في جدة قد أنشئ منذ مطلع القرن العشرين 1320هـ كأول متحف خاص في المملكة.

البعض يدعو سبب الضعف الى قلة المتاحف وعدم توفرها في أغلب المناطق، لكن قد لا تكون قليلة نوعا ما بقدر ماهي مجهولة بسبب افتقارها للأدوات المناسبة للتعريف بها .. فلو نظرنا الى المتاحف الحكومية نجد أنها في نمو مطرد كماً ونوعاً, بحيث لا تخلو منطقة من مناطق المملكة من متحف واحد على الاقل، فقد تم انشاء 26 متحفاً في كافة أنحاء المملكة، وتم افتتاح 5 متاحف جديدة في عام 2019م فقط ، وهو رقم كبير في عام واحد. أما من ناحية المتاحف الخاصة فنجد أنها قد تنوعت وتعددت وبلغت أكثر من 200 متحف خاص حول المملكة، تم ترخيص 22 منها في عام 2019 فقط. بالإضافة الى أن رؤية المملكة 2030 قد تضمنت هدفاً طموحاً بافتتاح أكثر من 100 متحف إضافي جديد في مناطق المملكة المختلفة.

اذن نأتي للسؤال المهم .. ما أسباب هذا الضعف ؟ وما العلة من عزوف الناس عن زيارة المتاحف ؟؟

‏باعتقادي ان هناك سببين جوهريين :

الأول : الاغلبية من المجتمع لا زالت تعاني من قصور في الالمام بالدور المتحفي بشكل جيد، فتجدها ما زالت تنظر الى المتاحف على انها مجرد مستودعات ومباني شعبية تتكدس فيها المقتنيات القديمة والمهملة , وترسخت الصورة الذهنية لدى أكثريتهم بأن جميع المتاحف متشابهة باحتوائها لقطع التراث الشعبي فقط. وانها مازالت تستخدم طرق العرض المملة التي عفى عليها الزمن.

الثاني : يعود بشكل كبير لعدم قيام أغلب المتاحف بدورها التوعوي الصحيح . فالمتاحف العامة رغم جودة العرض والمخرجات نراها تفتقر لخلق الافكار التسويقية الجاذبة وضعف التواصل وندرة الأنشطة المجتمعية ، أما المتاحف الخاصة فأغلبها تواجه مشكلات في العرض المتحفي, وعدم توفر مقرات مستقلة للعرض ، وافتقارها للأنشطة الجاذبة، ناهيكم عن جهل المجتمع بوجودها من الأساس بسبب ضعف الاعلام والتسويق الموجه.

وبالرغم من ذلك فإنني أرى أن الشعور والنظرة العامة للمتاحف لدى المجتمع قد تحسنت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وتزايد الاهتمام بهذا القطاع لتصبح النظرة له أكثر شمولية كمراكز تعليمية وثقافية وترفيهية، بل بتنا نرى البعض قد صار يضعها ضمن أولوياته في زياراته لبعض مناطق المملكة. يأتي هذا التحسن في ظل مجموعة من المبادرات الحكومية المهمة التي تضمنت انشاء وتطوير المتاحف باعتبارها عامل معزز للهوية الوطنية ، ومصادر مهمة في تنشيط السياحة بشكل عام، ومن ذلك مشروع برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري.

أيضا من الواجب أن نشيد بالدور الكبير لبعض المتاحف القليلة والتي تفوقت على نظيراتها وتميزت لتكون منارات ثقافية في مدنها بسبب جودة العرض والدور الكبير الذي تقوم به.ومنها على سبيل المثال المتحف الوطني بالرياض ومتحف مركز اثراء بالظهران وعلى صعيد المتاحف الخاصة متحف دار المدينة في المدينة المنوره ومتحف القهوة في الأحساء .

أخيراً .. لتعزيز الثقافة المتحفية يتحتم علينا غرسها في وجدان المجتمع، ويأتي ذلك بتعميق فلسفتها وايضاح دورها وتعزيز معلوماتها وبناء هذه الثقافة في شتى الصروح التعليمية والعملية والوطنية ، الى جانب الارتقاء بمستوى تصميم المتاحف وطرق عرضها تقنياً وترفيهياً , وتعزيز دورها وأهدافها من قبل ملاكها والجهات الرسمية في جميع المناسبات الرسمية والمجتمعية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟