مكرّمون لا روّاد

هم أكْفاء ومجتهدون يستحقون التكريم -شأنهم شأن كل مجتهد- احتفاء بجهدهم وعطائهم، وهذا متفق عليه، ونتفق أيضا على أن بعض المكرمين أحدثوا حراكا مهنيّا، واجتهدوا كلٌّ في مجاله لخدمة الإعلام المديني.

ومع إشادتي بمبادرة فرع هيئة الصحفيين بالمدينة بتكريم ذوي الاجتهاد والعطاء الصحفي، إلا أن حداثة عهد الفرع ربما جعلته -دون قصد منه- يسمي الأشياء بغير مُسمياتها الحقيقية، ويغفل تاريخًا عظيمًا لرواد الإعلام الحقيقيين في المدينة.

فـ”الروّاد” المُسمّى الذي توّج الفرع تحت مظلته رؤوس المكرمين تاج يليق -كمسمى- بذوي التاريخ فقط، ممن استهلكوا أعمارهم في صناعة الصحافة، إنه تاج أُعدّ ليتوج رؤوس البناة المؤسسين، ممن أثروا الحركة الصحفية والإعلامية بالمدينة المنورة، ونقلوها من حالة الجمود إلى آفاق الارتقاء والصعود.

ليس عدلا أن يتساوى الروّاد الحقيقيون؛ مثل آل حافظ، وأمين مدني، وغيرهم من صُنّاع الريادة الصحفية، بالمجتهدين إعلاميًّا.. أيًّا كان نوع هذه المساواة، وهذا الاجتهاد.

وليس إنصافا أيضا -حتى في التكريم- أن نساوي أسماء؛ كمروان قصاص، سالم الأحمدي، علي الأحمدي، فاروق كابلي، وكمال رشيد… وغيرهم، بأسماء أخرى لم تزل تضع خطواتها الأولى في سلّم عملها المهني.

الرائد لقب بتوقيع تاريخ لا يجوز أن يحوزه إلا صُناع التاريخ، ممن أسسوا وبنوا من أصحاب البصمات التي لا تغيب، من أحدثوا حراكًا، وأفادوا، وأثروا، ورعوا أجيالا خرجت من تحت أيديهم.

أما “المُكرّم” فهو شخص مجتهد حاز الاستحقاق في مجاله لنجاحه وتفوّقه واجتهاده، وفرق كبير بين هذا وذاك.

أكرر ثنائي على خطوة التكريم، وكل التهاني للمُكرمين من الجنسين، وأرى أن التكريم بحضور أمير المدينة أكبر محفز للجميع لتجويد العمل وتطوير الأداء بما يخدم المدينة المنورة وأهلها.

كلُّهم أصدقاء، ويعرفون تقديري وحبي لهم ومقدار فرحتي بنجاحهم وصعودهم، ولكن هذا الحبّ يجعلني أشفق عليهم من أن نحملهم -قفزا- إلى مكانة هم أنفسهم لن يحتملوا وجودهم فيها، وربما استغرب البعض منهم تكريمه تحت مظلتها؛ لأنهم يعرفون أنهم لم يبلغوها بعد.

المكانة ليست لقبا يمنح، أو شهادة تعطى، بل عمل وجهد وإثراء وتأثير ودور حقيقي في خدمة المجتمع.

كرموا.. حفزوا بالثناء.. ولكن احفظوا للقب الريادة معناه ومكانته، فهو عصي المنال إلا على أهله -لفظا ومعنى.

أقول للأخوة في فرع هيئة الصحفيين بالمدينة: نقدر لكم اجتهادكم.. كرموا وحفزوا، ولكن احفظوا للتاريخ وقاره، وللمسميات معانيها، فالناس لا تجهل حقوقها ومكانتها.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟