أيام مع الفرحة ووجع القلب

سالوبيك مغامر لا يملّ السير ولايركب الجمل

 

سيما جمل ذكر باسم أنثى .. وهذه هي قصتها معي
عوض يعاملني بفوقيّة .. وفارس يُسقطني من على ظهره

رحلتي مع سالوبيك صنعت مواقف وذكريات لاتزال تعيش داخلي حتى اليوم، فالرحلة أكبر من السير على الأقدام كما يتخيل البعض، رحلة جمعت بين العلم والصبر والقدرة على التحمّل والعفويّة والضحكة الصادرة من القلب، كل خطوة مع سالوبيك كانت درسا وكل موقف مع الجمل كان حكاية، أما عوض الجمّال -مليونير المستقبل- فهو فاكهة الرحلة بلا منافس.

لماذا اختارني Paul
بعدما تم اختباري لتجربة المشي مع Paul واقتناعي داخليا – بالفشل علمت بعدها أن سالوبيك لم يكن يُركز بالدرجة الأولى على صاحب اللياقة البدنية الأقوى ولكن كان يُركز على من يتواءم مع فكره ويستطيع أن يفهمه ويتقبل فكرته بأنه يمشي ليس من أجل الاستعر اض والـ Show بل هناك قيّم وأهداف يريد أن تكون في مُرافقه، فهو يحتاج من يوصل رسالته وأسئلته بصياغة أهل المنطقة وليس بترجمة حرفية لما يسأله، كما أنه يُريد أن يُعاد صياغة الجواب لتصل رسالته، لأن الترجمة الحرفية من لغة لأخرى بدون صياغة صحفية -كما يقول Paul- يفقدها الروح وهذا هو ما قاله لي بأنه أهم أسباب اختياري.

فارس وسيما
اسمان للجملين -أصدقاء الرحلة- كانا يحملان أمتعتنا خلال رحلتنا الطويلة ويحملاني أنا وعوض فقط إذا تعبنا من المشي لأن Paul لا يمكن أن يركب الجمل مهما كان تعبه لأنه كما يقول: “رحلتي مشياً على الأقدام ولا يحق لي ركوب الجمل أو أي شيء غير قدماي فقط”.
ورغم أن “فارس وسيما” جملان “ذكران” اختار Paul اسمهما نسبة لأصدقاء له ساعدوه لشرائهما إلا أنه أختار “سيما” وهي اسم لأنثى نسبة إلى صديقة “هندية” ساعدت على اختيار الجمل الثاني فأطلق عليه Paul اسم صديقته.

السقوط المتكرر
«فارس» هو الجمل المخصص لي، لم اتخيّره بالصدفة بل اختاروه لي بعدما شاهدوا بُنيتي مقابل قوة تحمل «فارس» وصبره عليّ ومع محاولاتي لصناعة صداقة بيني وبين «فارس» كي يعطيني الأمان إلا إنه كان يفاجئني بمواقف غير محسوبة حينما «يبرُك» بلا مقدمات -عمداً- ليسقطني من على ظهره وتحديدا في الأماكن الوعرة وشدة الحر التي تعرضنا لها؛ وهو ما حصل فعلاً؛ رافضاً إكمال المسير أو الوقوف وأنا فوقه في حين لو نزلت من على ظهره يستعيد نشاطه ويقف، فعرفت أن المشكلة في وزني الثقيل والحر الشديد الأمر الذي جعلني دائم الحرص والترقب والانتباه.
المشكلة كانت تحديداً في هذا الوقت أنني تعرضت للاعياء والتعب الشديد مما اضطرني إلى محاولات استجداء «فارس» أن يحملني لكنه رفض، مما اضطرني إلى ركوب «سيما» والتي كان أقل من فارس بنية وعُمر، وحصل ما لم أتوقعه بأن «الشداد» وسيما لم يتحمل وزني مما عرضني للسقوط.

بيبسي مثلج
إصراري في تلك اللحظات على الركوب على متن أحد الجملين كان بسبب مرضي وزيادة ضربات قلبي وضيق التنفس الذي حصل لي بشكل قوي جداً – لأول مرة في حياتي- والسبب شرب “بيبسي وماء مثلج” في درجة حرارة تصل إلى الخمسين تقريباً، اعطانا هي إحدى السيارات الخاصة المسؤولة عن حمايتنا -بعدما فقدوا أثرنا وسط كثبان رملية على مساحات شاسعة- ومن شدة الحر -وقتها- لا أتذكر أنني شربت البيبسي المثلج على دفعتين، بل دفعة واحدة والماء بعدها بشكل هيستيري مما سبب لي التعب الشديد.

هليكوبتر ناشيونال جيوغرافيك
استمرت الحالة معي حتى الصباح، وكان Paul يطمئن عليّ وقتها بشكل دوري. وفي الصباح طلب سالوبيك نقلي للمدينة المنورة عبر سيارة خاصة وطلب مني الذهاب للمستشفى والكشف على قلبي وإرسال نسخة من التقرير الطبي لتخطيط القلب له مباشرة، وفعلاً هذا ما حصل، وكانت النتائج سليمة والحمدلله رغم ان الحالة استمرت معي أيام.
وقتها توقف سالوبيك لأيام عن المشي لراحة الجميع، وحينما عدت لاكمال المهمة أعطاني مجموعة من الأوراق طلب مني توقيعها وكانت تأمين طبي لي وضمان سلامة كانت تتضمن المسؤولية على تأمين سلامتنا وقال Paul إن ناشيونال جيوغرافيك تتعهد بالنقل لو بطائرة هيلكوبتر خاصة في حال تعرضنا لأي خطر.

فارس المُلهم
محبة كبيرة ظهرت بين «فارس» و Paul الذي وصل به الأمر للتحدث معه أو مسك الحبل الخاص به ويمشي أمامه خصوصا في لحظات قبل الغروب، فكان أحياناً يأخذ الحبل من يدي ويقول: “فارس” يُلهمني ويجعلني أفكّر، بل كان يتضايق من تعامل “عوض” مع الجمال أحياناً حينما يضربها لتوجيهها أو عدم مراعاتها بحب.
عوض المتنمّر
ومع فارس ومقالبه معي كان «سيما» الجمل الذي يركبه عوض السوداني رفيق رحلتنا والمسؤول -بحكم خبرته الواسعة- عن رعاية الجمال، حيث كان يصدمني عندما يراني مُتعبا متذمرا من المشقة بقوله: يا علي أنت «حضري» ليس لدي أي خبرة لا في المشي ولا في ركوب الجمل ولا في «المرمطة»، بل وأكثر من ذلك حتى حينما أقوم بأي عمل كان ينظر لي بفوقيه بل وصل حدّ التنمّر عليّ وباستغراب كيف فعلتها؟! حتى أن الرحلة انتهت وهو ما يزال يعتقد أنني لا أصلح إلا للجلوس في مكتب مُكيف فقط.

مليونير المستقبل
الجميل إننا كنا نستأنس لحديث «عوض السوداني» ونضحك لأحلامه وطموحاته المالية حيث كانت أقصى طموحاته -كما روى لي أن يجني المال من خلال عمله في السعـودية ويسافر إلى بلده السودان ليشتري «الجيبكس» جهاز الكشف عن الذهب ويُحقق حلمه بالبحث على الذهب في منطقته بالسودان ليصبح مليونيرا.
قصص «عوض» وتصرفاته البسيطة العفوية كانت لا تنتهي عن مؤانسة رحلتنا وكان Paul يحول بعضها إلى مواضيع تم نشرها ومواقف من ضمن مواضيعه المنشورة، بل كان Paul يستذكر بعض مواقف “عوض” المُضحكة في المحاضرات التي كان يلقيها حينما يتوقف في أي مدينة يزورها وكان آخرها في جامعة الأمير فهد بن سلطان في تبوك حينما توقفنا في ضباء واتجهنا بالسيارة لتبوك لإلقاء المحاضرة حول رحلته. فهدف Paul من الرحلة رواية قصص الناس على طريق رحلته مهما كانت من البساطة.

الحلقة القادمة: ما الذي أعجب Paul بالمدينة المنورة؟

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟