السودان وقائمة الإرهاب.. جهود وطنية ودعم الأصدقاء

بقلم الدكتور: الوليد سيد محمد علي بشير

بدات العلاقات السودانية الامريكية عقب استقلال السودان بصورة طبيعية وقتذاك ترنو للتعاون وتبادل المنافع بين البلدين، فقد أدرجت الولايات المتحدة السودان ضمن برنامج المعونات الأمريكية في عام 1957، في أعقاب الأزمة الاقتصادية الشديدة التي شهدتها البلاد بعد استقلالها في عام 1956، إلا أنه سرعان ما بدأت في التوتر في أثناء الحرب الباردة إذ قطع السودان علاقاته الدبلوماسية مع الولايات المتحدة في عام 1967 إثر اندلاع الحرب العربية – الإسرائيلية. وظلت العلاقات متوترة بين البلدين مع بدايات حكم الرئيس جعفر النميري في مايو 1969، ففي مناخ الحرب الباردة كان النظام الجيد بالسودان أقرب إلى الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية، بيد أن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها الحزب الشيوعي السوداني في عام 1971 قادت إلى تحول جوهري في نظام النميري نحو الولايات المتحدة، فأعيدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1972، وبات السودان يحظى بدعم أمريكي سخي، إذ يشير موقع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID إلى أنها ظلت تحتفظ إلى أواخر الثمانينيات بأكبر بعثة لها في جنوب الصحراء الإفريقية هناك.
غير ان وتيرة العلاقات لم تبرح مكانة التوتر فشهدت مرة اخري فتورا خلال فترة الحكم الديمقراطي في السودان بعد عام 1985 لاسيما بعد التقارب بين الحكومة السودانية ونظام العقيد القذافي في ليبيا، إذ خفضت البعثة الدبلوماسية الأمريكية كادرها في الخرطوم، وتدهورات العلاقات بشكل مطرد في أبريل 1986 عندما قصفت الولايات المتحدة طرابلس الغرب، وتم اغتيال أحد موظفي السفارة الأمريكية في الخرطوم في أعقاب ذلك، الأمر الذي قاد إلى سحب الولايات المتحدة معظم موظفيها غير الأساسيين من السفارة لنحو ستة أشهر.
نقطة التحول في العلاقات بين البلدين كانت الانقلاب العسكري بقيادة عمر البشير بالتعاون مع الجبهة الإسلامية بقيادة حسن الترابي في عام 1989، حيث علقت الولايات المتحدة مجمل مساعداتها للسودان. وزاد تدهور العلاقات في مطلع التسعينيات إثر دعم السودان لجماعات إسلامية متشددة وإعلان وقوفه مع العراق في غزوه للكويت ومعارضته للتدخل الأمريكي في المنطقة؛ الأمر الذي قاد في عام 1993 لأن تصنف الولايات المتحدة السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب وظل إسم السودان على هذه القائمة الأمريكية حتى يومنا هذا.
الدول الراعية للارهاب (تسمية تطلقها وزارة الخارجية الامريكية للدول التي تزعم أنها تقدم الدعم لأعمال الإرهاب الدولي) وهنالك العديد من الدول المدرجة فيها مع السودان كإيران وكوريا الشمالية.
منذ ذلك الوقت واصلت الولايات المتحدة ضغطها بسلسلة من القرارات والعقوبات فقد علقت واشنطن لاحقا عمل سفارتها في الخرطوم في عام 1996، وفي عام 1997 أصدر الرئيس الأمريكي، بيل كلينتون، أمراً تنفيذيا بفرض عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية شاملة على السودان أثرت كثيرا على الاقتصاد والبيئة الاستثمارية في السودان، تلي ذلك ضرب الولايات المتحدة في 1998 لمصنع الشفاء للأدوية في أعقاب تفجير السفارتين الأمريكيتين في تنزانيا وكينيا. وتضرر السودان كثيرا بتجميد الأصول المالية السودانية، ومنع تصدير التكنولوجيا الأمريكية إلى السودان فضلًا عن إلزام المستثمرين الأمريكيين، شركات وأفراداً بوقف سبل التعاون الاقتصادي مع السودان باعتباره يمثِّل مصدراً لتهديد الأمن القومي للولايات المتحدة ولسياستها الخارجية.
عقد السودان و الولايات المتحدة في أواخر عهد الرئيس اوباما في العام 2015 حوارا بين البلدين وسبق ذلك حوارا حول مكافحة الارهاب منذ العام 2002 وقد نتج عن ذلك مايعرف بخطة المسارات الخمسة المتفق عليها مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن مكافحة الإرهاب وإحلال السلام في دولة جنوب السودان وتعزيز حقوق الانسان وتقديم المساعدات الإنسانية ومعالجة الأوضاع في مناطق النزاعات والمناطق المحتاجة في السودان.
وبدا السودان في عمل مجهودات جادة في المسارات، وساهم في التحالف العربي لدعم الشرعية في الجمهورية اليمنية، والتحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، وكيان الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن. وأقر منظومة القوانين الكفيلة بمكافحة الإرهاب ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وأنشأ آلية وطنية لانتهاج الوسطية والفكر المعتدل ومكافحة التطرف والإرهاب تحت مسمي “الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب” تنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم 1373 الذي طالب بضرورة إنشاء آليات وطنية في الدول لمكافحة الارهاب؛ الأمر الذي أدى إلى أنْ تشيد وزارة الخارجية الأمريكية بجدية جهود السودان وتعاونه في مجال محاربة الإرهاب؛ ونشير على وجه التحديد للتقرير السنوي لوزارة الخارجية الامريكية الصادر عام 2016م بأن السودان تعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية تعاوناً مثمراً في مكافحة تنظيم القاعدة وداعش في قارة إفريقيا، وإن هذه الجهود جنبت العالم كثيراً من الأضرار وحافظت على السلم والأمن الدوليين. وقد أفضي ذلك كله إلى رفع العقوبات الاقتصادية والتجارية عن السودان في شهر أكتوبر 2017.
إلا أن ذلك لم يكن كافياً لإزالة إسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب وذلك لعدة اسباب:
1- إن إدراج السودان في القائمة قراراً تشريعياً من الكونغرس ويتطلب إجراءات طويلة، فهو ليس أمراً تنفيذياً من الرئيس الامريكي كقرار العقوبات يمكن أن يُزال بأمر تنفيذي من الرئيس.
2- ظلت الولايات المتحدة متوجسة من التعامل مع النظام السابق على الرغم من اعترافها ببعض التعاون بين البلدين، وظلت تتهمه بالقصور في مجالات حقوق الإنسان، واستخدام الأطفال في النزاعات المسلحة، والحريات الدينية، والإتجار بالبشر، بجانب خلفيته الإسلامية.
بعد ثورة ديسمبر 2019 تواصلت الحكومة السودانية مع الإ دارة الامريكية، وذكرت على لسان رئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك أن: (الحكومة السابقة هي التي كانت ترعى الإرهاب وليس الشعب السوداني)، رحبت الإدارة الأمريكية بحكومة الثورة وأكدت على دعمها ومساندتها لخيارات الشعب السوداني، إلا أنها وعلى لسان مساعد وزير الخارجية للشئون الافريقية تيبور ناجي: أكدت أن إزالة السودان من القائمة (ليست مجرد قرار وإنما عملية تحتاج لوقت).
يعوّل السودان كثيراً على الأصدقاء الذين تربطهم علاقات طيبة مع الولايات المتحدة لدفع جهوده والرمي بثقلها نحو إزالة السودان من القائمة والتي أصبحت عقبة كؤود أمام التحويلات المالية وتدفق الاستثمار وتقدم التنمية بالسودان، وياتي هنا على رأس الأصدقاء المملكة العربية السعودية والتي ظلت تنادي بضرورة إزالة إسم السودان من القائمة بل ووضعت ذلك واحداً من المهام والبنود الأساسية في القمة الامريكية الإسلامية التي عقدت في الرياض في مايو 2017 بحضور الرئيس الامريكي دونالد ترامب وخادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز، ومؤخراً جددت ذلك في لقاء وزير الدولة لشؤون الدول الإفريقية أحمد قطان مع المبعوث الأمريكي للسودان السفير دونالد بووث في الرياض، وأكدت على دعم أمن السودان واستقراره وتحقيق تطلعات شعبه، إلى ذلك هنالك جهود إماراتية ومصرية وعربية وإفريقية بالإضافة للمنظمات الإقليمية وغيرها من دول العالم والتي نأمل أن تدفع الإدارة الأمريكية لبدء إجراءات رفع إسم السودان من القائمة حتى يحقق الشعب السوداني تنميته وأمنه واستقراره.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟