لا تذهب للعاصمة
بقلم : فهد عامر الأحمدي
في مطلع القرن الحادي والعشرين اتخذت قراراً بالسير على خطى الرحالة الكبار والقيام برحلة «استكشافية » من نوع مختلف، غير أن ارتباطي الوظيفي – في ذلك الوقت – لم يسمح لي بمنافسة ابن بطوطة أو ماركو بولوا، فاقتصرت جولتي على مدة شهرين .. وفي أوروبا فقط!!
ورغم قصر الفترة إلا أنني رأيت أكثر مما يفترض، وأغرب مما شاهده معظم السياح.. ويعود السر إلى اجتهادي في المذاكرة والتحضير المسبق، ووضع قائمة بالأفضل والأجمل، واستغلال قطارات الليل للنوم والوصول نشيطاً في صباح اليوم التالي.
ومن الوسائل التي ساعدتني على التحضير الجيد للرحلة: شرائي للكتب السياحية، واشتراكي في منتدى أمريكي يتبادل فيه السياح خبراتهم حول السفر إلى أوروبا. ومن خلال المناقشات والتجارب المطروحة عرفت مسبقاً ما يستحق الزيارة وما يعد مضيعة للوقت،
فعلى سبيل المثال: نصحني أكثر من شخص بعدم زيارة بروكسل عاصمة بلجيكا والاستعاضة عنها بمدينة جميلة ورائعة تدعى بروج ..Bruges ولأنني لم أكن قد سمعت بهذه المدينة من قبل راسلت مكتبها السياحي، فأرسلوا لي مجموعة من الكتيبات المفيدة. وقد وجدتها مدينة مميزة بحق ليس على مستوى بلجيكا فحسب بل على كامل أوروبا. فبروج لم تتغير منذ آلاف السنين، وما تزال شوارعها ومبانيها تحافظ على طابع وعبق القرون الوسطى. كما تضم بين جنباتها شبكة كبيرة من القنوات المائية حتى سميت بفينيسيا الشمال إشارة إلى مدينة فينيسيا الإيطالية
ومع هذا لم أستطع مقاومة المرور ببروكسل كونه يصعب التباهي بزيارة أي دولة ما لم تشاهد عاصمتها أولاً، وهو ما ندمت عليه لاحقاً!!
الظاهرة نفسها لاحظتها في إسبانيا، حيث يتكدّس السياح في عاصمة الملل “مدريد”، ويتجاهلون إشبيليا وغرناطة في الجنوب، أو برشلونة وجزر البيار في الشرق!!
أيضاً حدث أن وصلت إلى جنيف في أول يوم من مهرجانها السنوي الكبير، وهناك شاهدت أعداداً هائلة من السياح العرب،
ناهيك عن أطفالهم الذين ملؤوا شواطئ البحيرة ببقايا الألعاب النارية والآيسكريم وكأنك على شاطئ جدة أو الدمام! ورغم أن
جنيف ليست “العاصمة” إلا أنها ثاني أكبر المدن السويسرية وتهبط فيها معظم الخطوط العربية، مما يفسِّر الأعداد الكبيرة للعرب فيها.
والمفارقة أنه على بعد مسافة قصيرة بالقطار توجد بلدة تدعى إنترلاخن لم أرَ فيها عربياً واحداً رغم أنها واحدة من أجمل بقاع
الأرض، وتضم ثلاثة من أعلى عشرة شلالات في العالم وإن سمعت مؤخراً أن قبائل العرب غزتها !
وتفويت فرصة مشاهدة بروج وإنترلاخن وغرناطة أثناء وجودك في الدولة ذاتها( خطأ سياحي كبير سببه “عدم المذاكرة” الجيدة قبلالسفر! فمعظمنا لا يعرف سوى “العاصمة” كونها الأكثر شهرة وتداولا على الألسن، غير أنالإصرار على زيارة العواصم يعني ارتفاع الأسعار وكثرة الزحام وضيق الأخلاق.. وفي المقابل تتمتع المدن الصغيرة والمناطق المجهولة
بجمال بكر، وأسعار معقولة، ومعاملة شعبية لطيفة.
وأنا أعترف بصعوبة تجاهل عواصم ثقافية عريقة وجميلة مثل: باريس، ولندن، وروما. ولكن حتى عواصم كهذه أنصح برؤية المهمفيها، ثم استكشاف البلدات الصغيرة والمناطق المجهولة خارجها.
فعلى سبيل المثال:
- بعد زيارة مناطق الجذب المعتادة في باريس مثل: برج إيفل،ومتحف اللوفر، وقصر فرساي وجميعها تتطلب أكثر من ثلاث ساعات في الطابور انتقل بسرعة إلى وادي اللوار Loire Valley حيث الجمال الأخّاذ، والقلاع العتيقة،
والقرى الناعسة ويا حبذا لو تتخذ من مدينة بلوز قاعدة لرحلاتك اليومية ! - أما في بريطانيا مثلاً: فاترك لندن بعد ثلاثة أيام، واذهب إلى منطقة البحيرات في الشمال، أو مدينة باث في الشرق. أما إن لم يسمح وقتك بذلك فيمكنك من لندن ذاتها الذهاب والعودة في اليوم نفسه إلى قصر هامبتون أو أكسفورد أو قريتي ريتشموند وجرينتش.
- أما في ألمانيا: فلا تذهب إلى برلين ما لم تكن من عشاق المتاحف والمباني الحديثة، وأنصح بالاستقرار في ميونخ ليومين، ومنها لزيارة المدن الجميلة عبر الطريق الرومانسي وهو طريق مجازي حتى فرانكفورت شمالا.ً وحين تصل إلى فرانكفورت لا تبق فيها أكثر من ليلة واحدة، وقم في اليوم التالي بأخذ برحلة في نهر الرون حتى مدينة كوبلنز شمالاً.