الدبلوماسية الثقافية (المعارض).. اكسبو دبي 2020 نموذجاً
بقلم: د.الوليد سيد محمد علي
دبلوماسي وباحث سوداني
لاشك أن مما زاد أهمية الدبلوماسية كأداة للسياسة الخارجية هو تنوع أنماطها وتعدد أشكالها فهي لم تعد ذلك النمط التقليدي المتمثل بنشاط البعثة الدبلوماسية وإنما توسعت وأخذت أشكالاً وأنماطاً مختلفة، فعلى سبيل المثال تأخذ الدبلوماسية شكل “دبلوماسية القمة” Summit Diplomacy ويقصد بها المؤتمرات التي يعقدها رؤساء الدول فيما بينهم لمناقشة بعض القضايا الدولية، وهناك “دبلوماسية الأزمات” Crisis Diplomacy ويقصد بهذا النوع من الدبلوماسية النشاط الدبلوماسي الذي يوجه لحل أزمة دولية طارئة، وكذلك “دبلوماسية المحالفات” Alliance Diplomacy وهي تعني النشاط الدبلوماسي الذي يكرس لإنشاء تحالفات عسكرية أو تكتلات سياسية.
ثمة اهتمام خاص بالثقافة في التكوين الدبلوماسي باعتبارها تشكّل إضافة نوعية إلى آداء الفاعلين الدبلوماسيين، ولذلك غدت الدبلوماسية الثقافية والتي تشير إلى جملة الآليات والإجراءات الموظّفة لتنفيذ سياسة خارجية ثقافية تعمل على رفع كفاءة الدبلوماسية العامة وخدمة مسار السياسات الخارجية القطاعية، من أهم أنواع الدبلوماسية وأدوات السياسة الخارجية في عالمنا المعاصر.
الإمارات العربية من أوائل دول المنطقة التي فطنت لتلك الأهمية وإن اتخذت مساراً خاصاً بها فيما يمكن أن نُطلق عليه “دبلوماسية المعارض”، والتي يمكن أن نعرّفها: (بأنها تجميع الدول والمؤسسات الدولية المختلفة في معرض واحد وتحت عنوان Theme واحد ) ولعل ذلك يمثل أعلى مستويات الدبلوماسية في التواصل والاحتكاك ونقل التجارب والمعارف المختلفة، وبذلك فقد تحولت الدبلوماسية الثقافية الإماراتية إلى أفعال ناجزة تمشي على أقدام راسخة، وتمثل ذلك في برامج عمل مستدامة على مدار العام يُعبر عنها عالمية صناعة المعارض الثقافية، والمؤتمرات الفكرية في مختلف القطاعات الصناعية والعسكرية والاقتصادية والتكنلوجية وغيرها، إلى ذلك نجد المهرجات التراثية والموسيقية والفنية والفكرية المتنوعة في قضاياها واطروحاتها المبتكرة التي تُكرس مكانة الإمارات كحاضنة ثقافية داعمة لقيم التسامح والمحبة والانفتاح.
يمثل اكسبودبي 2020 نموذجاً حياً لتلك الدبلوماسية فتحت شعار “تواصل العقول وصنع المستقبل”، حظيت دولة الإمارات بشرف إستضافة معرض “إكسبو 2020 دبي”، ويعتبر ذلك المرة الأولى التي يُنظم فيها المعرض في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا، وتعتبر معارض إكسبو من أكبر وأهم الأحداث الدولية، وذلك منذ أول معرض في العام 1851 والذي عُرف باسم “المعرض العظيم”
وعلى امتداد ستة أشهر، تستقطب معارض إكسبو ملايين الزوار الذين يكتشفون أجنحة المشاركين والفعاليات المختلفة التي يقوم المشاركون بتنظميها بما في ذلك دول وشركات ومنظمات دولية، ومما زاد من قيمة اكسبو لهذه الدورة هو الاهتمام الكبير الذي تولية قيادة الإمارات ورعايتها للمعرض.
وعلى ذلك فان دولة الإمارات بتبيها سياسة الانفتاح في سياستها الخارجية واتخاذها من (دبلوماسية المعارض) وسيلة وأداة مهمة لتعزيز مكانتها الدولية فانها وعبر اكسبو دبي 2020 تحقق العديد من الأدوات الدبلوماسية كالتالي:
أولاً: الدبلوماسية العامة: فعن طريق القوة الناعمة Soft Power، التي تقوم فكرتها في الشؤون الخارجية على أنها القدرة على الحصول على ما تريد من خلال الجاذبية استطاع اكسبو 2020 أن يجذب أكثر من 25 مليون زيارة خلال فترة انعقاده (سيأتي 70 بالمائة من الزوار من خارج دولة الإمارات العربية المتحدة).
ثانيا: الدبلوماسية الاقتصادية: من المتوقع أن التأثير الاقتصادي المباشر وغير المباشر الناتج عن إكسبو دبي 2020 سيصل إلى نحو 145 مليار درهم، وأن يرفع إكسبو قيمة التجارة غير النفطية لدبي إلى 4.5 تريليونات درهم في 2020، خاصة في قطاع الاستثمار في الضيافة والطيران، إلى جانب ما سيتم من تحسينات للبنية التحية والمواصلات والرفاهية والحداثة من خلال المشاريع والمبادرات التي ستدعم موقع دبي على الخارطة العالمية كواجهة سياحية واستثمارية وإحدى أهم المدن الذكية في عام 2020.
ثالثا: دبلوماسية الطاقة: ولا شك بأن أكثر ما يميز معرض إكسبو 2020 في دبي مقارنة بالمعارض العالمية السابقة هو مدى حرص المشروع على التقيد بمعايير الريادة في تصاميم الطاقة والبيئة العالمية – المعروفة عالمياً باختصار (LEED) – والتي تضع قواعداً صارمة تساعد عالم البناء في الحفاظ على البيئة من خلال تدوير المياه، واستخدام الطاقة المتجددة وتقنيات أخرى صديقة للبيئة.
رابعا:دبلوماسية القمة: وذلك من خلال اقامة قمة استثنائية للحكومات تحت مسمى «قمة إكسبو العالمية للحكومات 2020»، بالتزامن مع فعاليات «إكسبو 2020 دبي» في الفترة من 22 إلى 25 نوفمبر 2020، حيث تشهد أكبر تجمع من نوعه لرؤساء الحكومات ومسؤولي الدول في العالم، وذلك لتعزيز مكانة الحدث الدولي كملتقى لصياغة مستقبل الحكومات، حيث يتوقع أن تشهد القمة الاستثنائية مشاركة أكثر من 10 آلاف مسؤول و30 منظمة دولية و600 مفكر وخبير.
يبدو جليا أن الإمارات وخلال مسيرتها التنموية على مدى السنوات الماضية وثبت وثوبا لا هرولة نحو تحقيق أهداف سياستها الخارجية عبر تبنيها الدبلوماسية الثقافية والتركيز على دبلوماسية المعارض والتي يُعد اكسبو دبي 2020 خلاصة وثمرة تلك الدبلوماسية. والإمارات هنا تقدم درساً للعالم أنه بالتخطيط السليم والرؤية الواضحة والعزيمة التي لا تلين تستطيع أن تحقق كل شي وأن تجدد أدواتك وأن تبتكر وتُلهم الأجيال القادمة تحفيزاً لها نحو مستقبل أفضل، فإكسبو أقل ما يوصف بأنه تقديم الأفضل للعالم أجمع وصناعة مستقبل المستقبل Future Of the Future.