إغلاق دور التوجيه الاجتماعية قتل للإنسان أيضاً

تعقيباً على مقال "اقتلوا المسنين"

سعادتي هنا لا حدود لها لأمرين، الأول لأني اكتب في حضرة استاذي ومعلمي عبدالمحسن البدراني، الذي بفضله تعلمت صياغة الحرف لأول مرة، وفن الهرم المقلوب والتساؤلات الخمسة، ولكم كان “ابو مهند” يُقيل العثرات امام ممارس مبتدئ مدفوع بحماس غير منضبط احياناً، والثانية في اتاحة الفرصة لي لتسليط الضوء على أكثر شرائح المجتمع غبناً في المجتمع، فئة خرجت من رحم الاضطرابات الأسرية ، لتجد نفسها تعش طفولة بائسه ومنقوصة، في محاضن دور التوجيه الاجتماعي، بعد ان اقصتهم مؤسستهم الاجتماعية الأولى خارج خارطة الحياة.

●●●●

على السطح برزت جملة من الظواهر الاجتماعية في المجتمع المحلي،نتيجة للارتفاع المضطرد في نسبة ازدياد السكان، فضلاً عن التحولاتالاجتماعية والاقتصادية، التي بدت تلقي بضلالها على سلامةالنسيج الاجتماعي للأسرة، وكان من البديهي ان تنال تلك التداعيات من الشرائح الأكثر ضعفاً في المجتمع،  وسعياً لجعل تلك الظواهر في حدود المقبول والممكن، جرى انشاء العديد من دور الايواء، وكان منجملة الدور التي تأسست حينهادور التوجيه الاجتماعي، التي تعني برعاية الاطفال الذين يعانون ظروف اجتماعية قاهرة لايستطيعون مواجهتها بمفردهم، نتيجة للتفكك الاسري وغياب العائلات او لعجز الاب على الاعالة نتيجة للمرض، او للقسوة وسوء المعاملة التي تتعرض لها هذه الشريحة، وهو المصطلح الذي حل محله لاحقاً مصطلحالعنف الاسري،

هنا أخذت هذه الدور على عاتقها وعلى مدى ما يزيد عن 4 عقود، رعاية وايواء هذه الشريحة لدرء ما قد ينال من قيمتها واعتبارها الانساني، الا انوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية قررت مؤخراً، إغلاق هذه الفروع لانتفاء الحاجة اليها، معللة ذلك الى قلة النزلاء فيها، إذ وصل عدد النزلاء بفرع الطائف عام 1440هـ، 5 نزلاء فقط، كما ان من الممكن اعالة ورعاية الطفل من قبل اقاربه، وان لم يتيسر فعبر الجمعيات الخيرية، هنا برزت عدة تساؤلات جدلية حول هذا القرار، من ابرز تلك التساؤلات، ما يقول صراحةً هل الجمعيات الخيرية قادرة ولديها الاهلية الكاملة والخبرة الكافية وتمتلك الطاقم الاجتماعي  والنفسي المتمرس للتعامل معهذه الشريحة، لاسيما وان الغالبية منهم يعانونالقهر الاجتماعينتيجة للفقد العاطفي والافتقار للاحتواء والمعاملة الحسنة، وظلم ذوي القربى، حتى باتت تحكمهم صراعات نفسية القت بأثرها على المزاج والتفكير والسلوك العام، حتى لم يعودوا يطلبون من زخرف الحياة سوى الحد الادنى من الكرامة والآدمية، ثم ان التعويل على الاقارب في رعاية الابن أمر في غير محله لجملة من الاسباب التي لا مكان لسردها هنا، أول هذه الاسباب ان الاقارب لو كانوا مستشعرين للرابطة وأواصر القربى لما أنتهى الحال بالطفل في هذه الفروع في سن هو احوج ما يكون فيه الا البيئة الاسرية.

●●●●

كم كنت أتمنى قبل ان تستعجلوا اغلاق هذه الفروع، أن تحيلوا الأمر الى أهله حتى ولو على سبيل المشورة، من اولئك الصفوة الذين افنوا زهرة شبابهم في تطبيب جراح تلك النفوس المعتلة، فهم وحدهم من وقفوا على دقائق الأمور وتوغلوا في ابعادها وخلفياتها، ودونوا بأيديهم ما يكفي لإثبات انتكاس الفطر السوية، من هؤلاء الاجلاء على سبيل المثال لا للحصر، طارق المغامسي، عبدالرحمن مؤمنة،محمد الزهراني، عبدالله الفريدي، فهد الحيدري، أسألوهم كم هي الوقائع المروعة التي ربما كان الباحث الاجتماعي يأبى من سردها لما تنطوي عليه من إدانة أخلاقية للأسر والمجتمع بأكمله،

اسألوهم عن اطفال تخلت عنهم اسرهم لحد البراءة منهم، فلم يكن يحضر أحد لاصطحابهم في الاجازات الفصلية، وهنا كان يجري نقلهم لدور التربية الاجتماعية ريثما يبدأ العام الدراسي الجديد، اسألوهم عن ابناء كانوا يقطعون اجازاتهم ويعودون للدور هرباً من الامتيازات غير المعقولة التي مُنحت لعائلهم والتي لا تتناسب مع حجم الاذى الذي كان يلحق بهم، أسالوا عن ابناء لم يكونوا يعرفون الكسوة الصيفية والشتوية والمقصف المجاني واللباس النظيف،وصالات النشاط، وحفلات السمر، ومدن الملاهي والترفيه، والرحلات و المعسكرات الصيفية والطبيب الزائر، والاستحمام والنظافة البدنية،وقبل ذلك الاثابة والكلمة الطيبة الا في هذه الفروع.

●●●●

دور التوجيه الاجتماعي في أبسط تعريف لها، هي الخط الوقائي الأول للعملية الرعوية، الذي يفصل بين الجنوح والسلامة، والغائها من المشهد، يجعلنا في قادم الايام أمام ظواهر مجتمعية متجذرة لايمكن استدراكها لاسيما وأن هناك مجتمعا يتزايد في تعداده ويقابل ذلك ظواهر يفرزها ذلك التزايد، حينها سنكون مجبرين لا مخيرين على افتتاح المزيد من دور الملاحظة الاجتماعية، وربما ازياد في معدلات نزلاء المصحات النفسية ومراكز مكافحة الادمان، وهنا نموذج اعرضه لكم كغيره من النماذج البائسة التي ربما لم تصل لعلمكم،

أسالوا عن حدث استعير لكم الحرف الأول من اسمهسأوقف بدار الملاحظة الاجتماعية بتبوك في شهر شعبان من عام 1438هـ، في قضية موجبة للإتلاف ـ مطالبة بحد الحرابة ـ تأملوا قليلاً في حياته وفي ظروف النشأة وما انطوت عليه من غياب العائل والافتقاد للقدوة والموجه فضلاً عن ملامح الاهمال التي تستحوذ على جزء من تاريخه الشخصي، من خلال هذا النموذج الذي يضاف لغيره من النماذج البائسة، ينسل السؤال التاليهل نحن فعلاً لسنا بحاجه لدور التوجيه الاجتماعي” !!

إغلاق هذه الدور، يجعلنا امام مسألة واحدة يحكمها قانون واحد،وهو  اننا نهيئ الظروف الاجتماعية الضاغطة التي تنتج لنا اشخاصاً ربما يكونون في قادم الايام عبئا  على النظام الجزائي، لتستمر بذلك الحلقة المفرغة التي تحول الضحايا الى جانحين وربما عتاه في الاجرام، هذا هو القانون المنطقي الذي يحكم المسألة، وقوانين الحياة لا تحابي ولا تجامل احد .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟