أسرار دُفنت مع أصحابها
بقلم: محمد البلادي
لم ينشغل المجتمع الأميركي بقضية مثلما انشغل بقضية اغتيال الرئيس كينيدي .. فالحادثة التي وقعت قبل أكثر من خمسة وخمسين عاماً، لا زالت تشغل بال الأمريكيين وكأنها حدثت بالأمس فقط ! ، ليس لأنها حالة الاغتيال الأولى لرئيس اميركي ، فـ ( كينيدي ) هو رابع رئيس يتم اغتياله .. لكن السبب الحقيقي لهذا الاهتمام غير الطبيعي هو الغموض الذي مازال يلف القضية حتى يومنا هذا .. فالمتهم الأول (لي هارفي اوسولد) الذي أطلق النار على الرئيس الشاب في 22 نوفمبر 1963 ، قتل بعد يومين فقط على يد اليهودي ( جاك روبي ) و على مرأى الملايين الذين كانوا يشاهدون التلفزيون.. والأكثر عجبا أن ( روبي ) هذا ، مات هو الآخر في السجن بشكل غامض و مريب .. ليدفن بموتهما سر اغتيال (كيندي ) الذي مازال إلى اليوم مثار جدل وشكوك ، ففريق يتهم المخابرات الأمريكية (CIA) بقتله ، وفريق آخر يتهم استخبارات الاتحاد السوفييتي السابق ، و فريق ثالث يرى أن إسرائيل هي المسئولة عن الجريمة ، خصوصا بعد إصرار كينيدي على تفتيش مفاعل ( ديمونة) الشهير ! .
عربيا .. لاتقل وفاة المشير عبد الحكيم عامر وزير الحربية في عهد عبد الناصر غموضا ولا إثارة عن مقتل كينيدي .. فالحادثة التي وقعت في 14 سبتمبر من عام 1967 بعد شهور قليلة من هزيمة يونيو 67 ، مازالت تشغل الرأي العام حتى اليوم ، بين من يقول أن المشير (المعروف بعصبيته ومزاجه المتقلب ) انتحر بسبب تدهور حالته النفسية بعد الهزيمة، وبين من يؤكد انه مات بسم «الاكوانيتن» ليدفن معه أسرار هزيمة ( النكسة ) التي هزت العالم العربي كله.
القائمة طويلة جداً وتشمل أسماء نجوم ومشاهير وعلماء بل وحتى فنانين كثر قتلوا بشكل غامض مثل يحيى المشد ، وسميرة موسى وسعاد حسني ، ودفنت بموتهم أسرار أكثر، إلا أن حوادث قتل شخصيات ك ياسر عرفات ، رفيق الحريري ، الجنرال ضياء الحق ، بي نظير بوتو ، تؤكد أن السياسيين هم الأكثر تعرضا لمثل هذه الاغتيالات التي قيد معظمها ضد مجهول وأفلت مرتكبوها من العقاب ، لكنها مازالت تؤرق بال الكثيرين حتى اليوم .
في بريطانيا لم يكن حادث موت الأميرة ديانا ( والدة هاري الذي تنازل قبل أيام عن صفته الملكية ) هو الأمر الوحيد المثير للجدل في حياة الأميرة الجميلة ، فالكتاب الذي دافعت فيه عن نفسها ضد اتهامات تشارلز وأعوانه ، كان مثيرا للجدل، ولغضب العائلة المالكة أيضا ، إلى الحد الذي دفعها للقول لخادمها ( بول باريل) إنها باتت تخشى أن يتم تعطيل فرامل سيارتها للتخلص منها بعد أن نشرت فضائح العائلة المالكة البريطانية .. وهو ما دفع الكثيرين ومنهم المصري محمد الفايد الى الاعتقاد الجازم بوجود مؤامرة من جانب المخابرات البريطانية لقتلها ، إلا أن السر دفن مع ديانا ودودي وسائقهما المخمور !.
ومن أشهر صناديق الأسرار التي دفنت للأبد الرئيس الليبي معمر القذافي ، الذي يقول عنه محمود جبريل رئيس الوزراء السابق أن الثوار الليبيون بريئون تماماً من دمه، وأن القاتل الحقيقي هو جهاز مخابرات دولي كان يهمه إسكات القذافي ودفن أسراره للأبد.. وهذا إفتراض قد يكون مقبولا خصوصا عند من يعرفون القذافي الذي اشتهر بتدخلاته في معظم قضايا العالم ، وبصداقته للعديد من المطلوبين وشبكات الإجرام حول العالم ، والتي جعلت منه صندوقا أسوداً بالفعل يحمل ألاف الأسرار التي أشغلت العالم ، لعل أبسطها سر اختفاء الزعيم الشيعي ( موسى الصدر ) الذي دخل ليبيا في أواخر أغسطس 1979 ولم يخرج منها حتى الآن !.