وسائل النقد الاجتماعي

هل المجتمع من يُحرك الفن أم الفن من يُحرك المجتمع؟
هذا السؤال تبادر لذهني وأنا والجميع شاهد ما حصل من تناقل بعض المقاطع لمعرض “المكان الذي أُسمّيه الوطن” The Place I Call Home المُقام في مركز الفنون هذا الصرح الجميل الذي طال انتظاره وتفاءل الجميع وقدم خلال الفترة البسيطة الماضية منذ افتتاحه أعمالاً فنيه تليق بالفن.
ورغم جمال كثير من صور المعرض وعمق فكرته حول تجارب الشباب الذين يعيشون في الخليج والمملكة المتحدة؛ إلا أن العنوان وحده لا يكفي، فرغم قلة قليلة جداً من الصور هي ما أثارت قريحة النقاد “من المجتمع” إلا أنها لاقت نفس ما حصل من نقد العمل الفني للعبارة التي كُتبت على جانبي الطريق الدائري بالمدينة، وقبلها في عمل مجسمات في جدة..

ما حصل بكل بساطه أن هناك صوراً لم يجد لها -ممن تناقلوا الصور والمقاطع عنها- قيمة فنية لا وفق المعايير الفنية ولا وفق ذائقتهم الخاصة التي قد تتأثر وفقاً للموقف والبيئة والحالة المزاجية، مما أثر رأيهم ذلك على شريحة كبيرة ممن تناقلت تلك المقاطع وتطابقت رؤيتهم وإلا لما تم تداولها!

وأعود بالزمن.. فأثناء دراستي الجامعية في قسم التربية الفنية كنت أمارس العمل الصحفي وأكتب في مجالات الثقافة؛ والفنون بصفة خاصة حينما كانت صالة “إبداع” للفنون -في طريق قباء- تزخر بأنشطة مستمرة طوال العام بإنتاج جماعة فناني المدينة بقيادة الدكتور فؤاد مغربل وغيرهم من الفنانين من داخل وخارج المدينة، وقتها كان أستاذي الخطاط العالمي الدكتور مصطفى عبدالرحيم يدعم توجهي هذا بقوة لأنه كما يقول: الفنانين ما أكثرهم؛ لكن قلة من يمارسون النقد الفني.
وقتها أخذتني الحماسه للتفرد بهذا الأمر، زرت معارض ومتاحف في الداخل والخارج لكن مع الوقت لم تستهويني كثيراً “الفوقية” التي كنت أراها في نفسي أو من يمارسون هذا التخصص فقررت أن أغير من مجالي وأتجه لمجالات أخرى لأن فكرة وتوهم أن الناقد يرى ما لا يراه الآخرين من قيم فنية؛ هذا التوجه لا يُشبهني كثيراً.
ومع مرور الوقت أحمد الله أنني انتبهت ولم أُركّز على هذا الجانب وإلا لكنت عاطلاً عن العمل ورأيي لا يؤخذ به مهما كان نقدي وفق أسس النقد الفني والتذوق الفني والمعايير التي درسناها، فبدلاً من أنني أوجه المجتمع للقيم الفنية أصبح أي فرد في المجتمع هو من يوجه الفن بأكمله عبر إرسال مقطع فيديو يحشد عشرات الآلاف من اللايكات والريتويت وتناقل البرودكاست.

إذا كنت تعتقد أنك الوحيد من يملك حق النقد أو التحكم حتى في رأيك الشخصي في اختيار فن مُعين أو معرض لفنان فعليك أن تراجع نفسك جيداً، فالمجتمع أصبح هو الناقد الفني وهو المقياس لما تُقدمه وهو المقياس لنجاح معرضك من عدمه، وإذا كان المقياس سابقاً هو من يكتب ويُشيد -من النقاد- عن المعرض فالآن عوامل النجاح من الفشل اختلفت؛ ومن وضع “لايك” على تعليق شخص مجهول كتب رأيه من خلف هاتفه هو المُتحكم وليس الناقد الفني!

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟