تعرف أحد؟!

بقلم: محمد البلادي

سؤالٌ لا يشبه أيّاً من الأسئلة و الاستفهامات التي تعلمتها في المدرسة .. ولا يمت بصلة لسؤال (شكسبير) الوجودي . لكنه السؤال الأكبر الذي يرتبط بقيمتك ووزنك المجتمعي وقضاء حاجاتك وربما مستقبلك في بلاد العرب ..لأنك إن لم تكن تعرف أحداً (يتوسط لك) و (يمشّي أمورك ) فستتعثر في الغالب ، وستأخذ (السنة بسنتين) كالطالب البليد ..لذا أصبح البحث عن هذا (الأحد ) هو الهاجس الأول الذي يسيطر علينا قبل الذهاب لأي مصلحة او مؤسسة حكومية او حتى خاصة، لـ ( تظبيط ) أمورنا ، حتى وان كانت أمورنا بسيطة ولا تحتاج (تظبيط) .. لكنه وسواس (الواسطة) وشيطان ثقافة (تعرف احد) !.

من العجيب والمضحك في آن معاً أن علاقتنا مع الواسطة باتت علاقة (ملتبسة) حد النفاق.. فبقدر ما نجاهر بكراهيتها ومحاربتها في العلن ، نلهث خلفها ونفتخر بارتكابها حتى في أصغر حاجاتنا ، والسبب ثقافتنا العربية القديمة التي تقدّس القوة ، وتعشق كسر النظام ! .. لذا تجدنا نتباهى في مجالسنا بكسر القوانين، كي يتم تصنيفنا ضمن الأقوياء والنافذين (الذين يعرفون أحد)! .. أو لمجرد ان نشعر- ولو بيننا وبين أنفسنا – بلذة الانضمام لمجتمع ( الذيابة ) والابتعاد عن قوائم المستضعفين! ..غير أن المضحك أكثر يحدث عندما نغطى وجه الواسطة القبيح بغطاء شرعي تحت مسمى (الشفاعة) ، في عملية (أسلمة) تذكرني بأسلمة اللحوم المستوردة ب طبع كلمة (حلال) عليها !.

فيروس الواسطة قبيح ومؤلم أينما حلّ ، لكنه يكون أكثر قبحاً وأشد ضرراُ عندما يضرب الصحة أو التعليم أو مظالم الناس ، و يتحول الأمر إلى كارثة – تستدعي إعلان حالة الطوارئ -إن ضرب الثلاثة معاً .. لأنه حينها قد يموت الفقراء قبل أن يأخذوا حقوقهم في العلاج .. وقد ينتشر الجهل من الأعلى للأسفل لأن قيادات التعليم التي جاءت بفعل براشوت الواسطة ليس لديها ادنى فهم لما يدور حولهم .. وسينتشر الفساد لأن الظلم هو أقصر وأسهل الطرق لإنتاج الفساد والتطرف.

من الصعب القضاء على (الواسطة) لأنها ترتبط من جهة بالقرابة والقبلية و المناطقية والطائفية ..ولأننا للأسف نخلط بينها وبين الشهامة والفزعة من جهة أخرى ..كما أن ثقافتنا التي لاتفرّق بين الخاص والعام ، مازالت تكرّس للواسطة ، بوصفها نوع من صلة الرحم ، فعندما تكون مسئولاً نزيهاُ لاتقدم أحداً من أقاربك ومعارفك على الآخرين ؛ ولا تذلل لهم رقاب الأنظمة والقوانين.. فإنك ستصبح في نظرهم إمعة و( مافيك خير ) !!. هذا هو إرهاب الواسطة !.

شُغل المفكرون العرب منذ عقود بمحاولة الإجابة على التساؤل الكبير :” لماذا تخلف العرب وتقدم غيرهم ؟!”..ولعلي أساهم وان متأخراً بجزء من الإجابة حين أقول : إن أي مجتمع يلغي التنافس النزيه ويقدم الولاء والواسطة على الأداء والكفاءة سيبقى مجتمعا متخلفاً حتما ..ولن تتقدم فلول العرب بين الأمم إلا عندما يأخذ كل ذي حق بينهم حقه بغض النظر عن لونه وعرقه ومذهبه دون واسطة ، ودون ان يتجشم كل يوم عناء السؤال المزعج ( تعرف أحد ) ! .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟