
اِكذب نادر.. اِكذب
قال الوهيبي نادر أن أحد أسباب عدم ربح التأمينات هو طول أعمار بعض المتقاعدين بالإضافة لارتفاع نسب التقاعد المبكر؛ في المقابل فإن مبالغ التأمينات مهما كانت استثماراتها فلن تُغطي دفع رواتب للمتقاعدين بهذا الوضع!
هذه معلومة قالها إليس كذلك؟!!
هل قال نادر للمتقاعدين موتوا؟!
هل قال لهم لا تتقاعدوا مبكراً؟!
من قالها إذاً؟!
ومن وجّه (الجماهير) لهذه الجزئية تحديداً؟ وتركوا كونها مجرد معلومة “مُهمة” قالها مسؤول بالتأمينات بشفافية واضحة تدل على أنه رجل صادق وواضح في معلومته.. من؟!
وبرغم قساوة ما قال، ورغم أن المواطن -والمتقاعد تحديداً- لا يهمه إلا أن يأتيه راتبه نهاية الشهر فقط وهو غير مسؤول عن ربح مؤسسة التأمينات من خسارتها، فهو في النهاية يريد ماله الذي استثمره لديكم طوال خدمته العملية، فالحقيقة أننا تعودنا أن لا نسمع الحقائق وعندما أتتنا الحقيقة كرهنها، بل وهاجمناها لاننا لا نُريد تصديقها!!
بل أن البعض أنتقد الطريقة فقط بمعنى أنه يريد معرفة الحقيقة ولكن على جرعات!!
العجيب أننا نحدث ونكتب عن الصدق ومزاياه ونطالب بالشفافية والوضوح ووقتما تأتينا الحقائق نكرهها ونكره من قالها.
ماذا قال نادر حتى يُعجل الأكثرية مطالبين بحمله على أي النعشين إقالة كانت أو استقالة؟ لماذا كرهناه -مبكرا- دون أن نمنح أنفسنا الفرصة الكافيّة لتفنيد ما قاله؟ لماذا فسرنا تصريحاته بمفهوم “لا تقربوا الصلاة” والرجل يُعزز حديثه بلغة لا تعرف التأويل.
كرهناه لأنه تكلّم بلغة الرقم -قاموس الاقتصاد الوحيد- قدّم حقائق رقميّة لا يختلف على مصداقيتها اثنان، تكلّم عن النمو المضطرد للتقاعد المُبكر واستنزافه المُخيف لصندوق التأمينات، وطول أعمار المتقاعدين التي تُدخل المؤسسة في نفق الخسارة وتحفزها للركض بحثا عن مصادر بديلة لتوفير المعاشات.
كرهناه لأنه كشف الفروق بوضوح بين متوسط سن التقاعد في المملكة ومثيله في العالم والفروق الصادمة بين الرقميّن، فنّد التباين الواضح بين نسب الصرف على المتقاعدين مبكرا والبالغة 80% والمتقاعدين في السن الرسمي والتي لا تتخطى 35% وتأثير التباين على تأرجح ميزان الدفع وعجزه.
كرهناه لأنه كان واضحا وشفافا، ضغط بيده على مكامن الوجع في مؤسسة التقاعد ونحن نكره من يصدمنا بحقيقة الألم، فسّرنا حديثه بأنه يتمنّى لنا الموت ويكره لنا طول الحياة، حاسبناه على مؤسسة التقاعد -تأسيسا وإطارا وتنظيما وإجراء– وكأنه مالك المؤسسة يفتحها صباحا ويغلقها بعد انقضاء الدوام.
اِكذبْ نادر كي تُحترم أكثر، نحن نكره الحقائق بكل ألوانها، تربينا على تغليف الهدايا بورق ربما أغلى من الهديّة ذاتها.
اِكذبْ نادر حتى لا تحرق نجاحك ومشوارك وننسى لك مسعاك الصادق للحفاظ على وظائف الشباب قبل أن تبتلعها دوامة كورونا.
اِضحكْ علينا نادر واستدعي أرقاما من صندوق الخيال لا صندوق التأمينات حتى نصفق لك ونصفك بواحد من قوافل المبدعين.
نادر الوهيبي لم يخطىء ولكن! أخطأنا نحن في التفسير. نادر لم يُزيّن الحقائق بل كشف بجرأة عورة مؤسسة خاسرة أخفت علينا لسنوات –عمدا– أرقامها وأرباحها واستثماراتها وحجم أصولها فلماذا لا نشكره اليوم على صنيعه؟
نادر لم يكذب وليته كذب..
أو فعل كما كنا نسمع سابقاً في
إعلامنا
كان المسؤول يظهر ليقول فقط أن الأمور مُبشّرة ومُطمنئة، والتوجيهات -الكريمة- تنصُ على خدمة المواطن؛
والدولة حريصة على وعلى وعلى
دون أن تخرج بأي معلومة خلاف
“وجّهنا معاليه” و”حفظ الله سموه”.
ختاماً:
التأمينات مؤسسة مترهلة وهذه حقيقة يعيها الكثير، و ما ذكرته هنا ماهو إلا وجة نظر من زاوية مختلفة فقط، لك الحق في تقبلها أو رفضها.