نقطة (نحن)

بقلم: م. عبد الحق بشير العقبي

 

من عجائب الكتابة العربية ذلك التصوير البليغ السهل الممتنع في رسم كلمة (أنا) وكلمة (نحن) على أساس أن حرف النون يمثل إنساناً فرداً. فيكون هذا الإنسان الفرد محصوراً بين حرفي الألف (أن ا) وكأنه منغلق في ذاته ولكنه يصبح منفتحاً منطلقاً إلى الخارج – وكأنه يمثل كفتي ميزان يفصلهما حرف الحاء (ن ح ن) وهذا بالتحديد حال الفرد إذا ما قورن بالجماعة وأقل الجماعة اثنان لاحظ هنا تكرار حرف النون مرتين في كلمة (اثنان أو اثنتين). وهنا فائدة أخرى عظيمة ندركها في عدد الحروف لكلمة (أنا) ثلاث أحرف تعادل عدد الحروف لكلمة (نحن) وكأن الفرد يعدل الجماعة، وهذا موافق لقوله تعالى: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض في فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) (32) المائدة.ونحن تفيد الارتباط الجماعي الوجداني الملتزم بالقيم والثوابت ذا العلاقة بمن هم داخل هذه الجماعة المشمولة بكلمة (نحن)

قال الشاعر العباسي حسين الخصيبي:

يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا         نحن الضيوف وأنت رب المنزل.

وقال أبو فراس الحمداني:

نحن أناس لا توسط عندنا          لنا الصدر دون العالمين أو القبر.

ونحن كلمة تستخدم لتعظيم الذات دون التعدد قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (9) الحجر. نحن كلمة تفيد وتغني وتزيد في مضمونها مفاهيم التواصل بمعناه المطلق الذي يتجاوز الفردية والجنس والصنف لتشمل الأسرة والقبيلة والأمة والعالم وسكان الأرض وكل شيء مخلوق لا يخرج عن مضمونها ولا تغني عنها كلمة أخرى فهي (الكلمة) التي كلما تأملت فيها وتعمقت في مضمونها تدرك أنك في محيط زاخر صعب المنال. ومن هذه الكلمة نستخرج معادلة التواصل الفريدة من نوعها وهي (2ن) نون تربيع حيث ن= عدد الأفراد فإذا كان العدد (واحد) فإنه لا تواصل لأن النتيجة واحد تربيع يساوي واحد أما إذا كان العدد اثنان فإن ذلك من شأنه أن يحدث أربع علاقات تواصل وهي فكر كل فرد وفكر الفرد متأثراً بفكر الآخر فيصبح المجموع (فكر الأول + فكر الثاني + فكر الأول متأثراً بفكر الثاني + فكر الثاني متأثراً بفكر الأول = أربعة أفكار نتيجة التواصل. وهكذا إن كانوا ثلاثة يكون تربيع التواصل تسعة وهكذا. وأبلغ مقامات التواصل المستنبطة من (نحن) صلة الرحم التي اختصها الله عز وجل بالوصل لمن وصلها والقطع لمن قطعها. ومن هنا يمكن أن نفسر أسرار تمكن وسائل التواصل أياً كانت مستوياتها التقنية من مفاصل الاقتصاد العالمي لأن فطرة الخلق التواصل فهم جميعاً يشتركون في ميراث (نحن).

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟