(السقيفة).. جرعات ثقافية وأدبية

للعلوم جناحان رئيسان تنهض بهما المعرفة، جناح العلوم الطبيعية وجناح العلوم الأدبية، ولكل جناح دوره ومنهاجه. وأنماط المنتمين إلى كل منهما مختلف عن الآخر، فنمط العلوم الطبيعية (باختصار) ثابت لا يقبل إلا الصحيح أو الخطأ ولا وجود فيه للتأويل، بينما العلوم الأدبية المجال فيها واسع يستوعب وجهات نظر وتأويل المتأولين وسعة خيال المنشئين، والاندماج العاطفي وصبغته على المتفاعلين، وبالتأكيد مع التواجد ضمن الإطار العام للمفهوم الأدبي والإنساني.
وإن كانت الكتابة الأدبية لا تخلو من الأساليب العلمية إلا إنها (نشاط خلاق مبدع) قابل للتعامل معه بتفسيرات متفاوتة حسب الاستعداد الذهني والنفسي والعاطفي لمنشئه ومتلقيه.
وجود المجالس الأدبية أو “الصالونات الأدبية” (تأثرًا بالثقافة الغربية والفرنسية خاصة) في كثير من الأماكن هو امتداد لأسواق عكاظ والمربد والمجالس في بلاط الحكام أيام المناذرة والغساسنة والأمويين والعباسيين وحكام الأندلس، وشهدت تطورًا فقد كانت في الأسواق التي للبيع والشراء كبرامج مصاحبة وإن أخذت الجدية في عكاظ حيث قبب المحكمين، والمربد الذي كان سوقًا للإبل فتحول لتجمعات ونوادي لكل شاعر وقبيلة وصاحب رؤية، وفي بلاط الغساسنة والمناذرة وما حصل للنابغة وطرفة ، وفي مجلس عبد الملك بن مروان ومباريات الثلاثي الأشهر جرير والفرزدق والأخطل وانتقالاً لبغداد ومجالس هارون الرشيد وفي الأندلس ومجالس بني عباد وهكذا استمرت تلك المسامرات بما لها وما عليها بنشاط متفاوت عبر الزمن.
في النادي الأدبي بالمدينة المنورة وضمن أحد أنشطته (صالون السقيفة) يقام أسبوعيًا مساء الأحد، يحضره من له اهتمام بالثقافة الأدبية ليمتع مسامعه ويضيف إلى مخزونه الثقافي ما يتلى من تراتيل الأدب، واستضافة أسماء تضيء سماء الإبداع والجمال الكلامي، إضافة لذلك فكل من يحضره يشترك معك بنفس الشعور والتوجه وإن كانت المناظير (متشابهة).
وبجهود القائمين على اللجان الثقافية والأدبية المتكاملة والتي دافعهم فيها الأدب والثقافة الأدبية تحفز هممهم إضافة لما يتمتعون به أدب وآداب وثقافة ورقي تستمر المسامرات الأدبية والثقافية.
فلا ينقصهم سوى تواجد المزيد من المهتمين بالثقافة والأدب والمعرفة -وهم كثر- لكن أكثرهم في عزوف عن الحضور والتواجد ولكل أسبابه.
هي مجرد ساعة في الأسبوع فامنح نفسك فرصة الاستمتاع والمشاركة، وستخرج بفائدة وتمنح الآخرين فائدة.
في (السقيفة) جرعات ثقافية وأدبية تنشيطية منتظمة لا غنى للعقل والروح عنها، وهي امتداد للإرث الأدبي منذ القدم، وحري بنا المحافظة على هذا الإرث العظيم وليكن لنا دور في الحفاظ على بقائه وعدم اندثاره على الأقل.
وإنما الشعر لبُّ المرء يعرضه على المجالس إن كَيْسًا وإن حُمُقا
وإنّ أحسن بيت أنت قائله بيتٌ يقال إذا أنشدتَه صَدَقا *(حسان بن ثابت) *

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟