إنقاذ مايمكن انقاذه !
بقلم: محمد البلادي
من لا يملكون التاريخ؛ صاروا يصنعونه بأيديهم، وأحيانا يشترونه بأموالهم! .. المهم ان لا تكون بلا هوية ثقافية ولا عمق تاريخي.. شاهدت هذا بنفسي في إحدى الدول المجاورة، التي صنعت من احد أسواقها القديمة معلماً تاريخياً؛ ومزاراً سياحياً جاذباً، رغم انه عمره لا يتجاوز 100عام لاغير !. لا يمكن مقارنة الهوية الثقافية لبلادنا و سجلها التاريخي والتراثي الحافل (الإسلامي تحديداَ ) مع أي دولة في العالم .. هذه حقيقة وليست تفاخرا أجوفاً .. لكن بالمقابل لا يمكن مقارنة طريقتنا القاسية في التعامل مع هذه الكنوز مع أي دولة أخرى!.
لاشك أن هناك تغيراً كبيراً في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في التعامل مع الآثار، لكن المحزن هو فقدان ذلك الكم الهائل من آثار الرسول الأعظم وصحابته الكرام ، الذي حافظت عليه كل الأجيال السابقة بعلمائها وفقهائها وقضاتها ومحدثيها وخلفائها حتى وصلتنا ،ثم قمنا– وبدم بارد – بطمس معظمه بدعوى الخوف من الشرك والبدع، وكأننا – و ياللعجب- أكثر فهماً وورعاً وتقوى من كل ذلك السلف الذي حافظ عليه حتى وصل الينا ، بل حتى أننا – والعجب لا ينقضي – أكثر فقهاً من الصحابة والتابعين الذين لم ينكروا على عمر بن العزيز إقامته لكل أثار رسولنا الكريم .
أكثر ما يميز لندن ويجلب لها ملايين الزوار سنويا – في رأيي-هو التاريخ الذي تحمله مبانيها العتيقة؛ وحدائقها الملكية؛ وشوارعها التي خلدتها الروايات العالمية، ولعلك لاحظت كيف يشعر الانجليز بالفخر وهم يشيرون الى شارع ( فليت ) مثلاً وحي الصحافة ، او الى مبنى البرلمان و(بيج بن )، او الى ضاحية (جرينتش ) ومسرح شكسبير جلوب .. ومع تقديري لكل هذه الاثار الإنسانية التي مازالت تدر ملايين الجنيهات للخزينة البريطانية ، وتحفظ هيبة التاج البريطاني امام الملايين الا انها لا تساوي شيئاً ان قورنت بتاريخ النبي الأعظم وآثار أصحابه التي طمسنا معظمها .. ولك ان تتخيل كيف سيسير الناس في شوارع المدينة المنورة وكل شبر هناك يشير لحدث مهم للرسول الذي غير الكون بأخلاقه و رحمته ورسالته العظيمة ، وكيف سيكون تأثير هذا الجو النبوي النوراني على جيل يفتقد القدوة بل على العالم بأكمله .. دعوكم من العوائد الاقتصادية الهائلة للآثار بوصفها احد البدائل الإستراتيجية للدخل الوطني وأحد مصادر تنوع الدخل ، وتعالوا لنفكر في الجوانب الدينية والتربوية والأخلاقية لتلك المعالم الإسلامية التي تمثل تاريخا حياً يجب ان يبقى نابضا بالحياة لإشعال جذوة الإيمان في نفوس الشباب، ومضيئا بالنشاط العلمي والدعوي لكل البشرية .
الآثار ليست رجسا من عمل الشيطان يا سادة .. ولن تكون مدخلا للشرك إن عرفنا كيف نتعامل معها بطريقة صحيحة .. فالبدع والعقائد الفاسدة تُحارب بالتوعية لا بالهدم والطمس.. وإلا فسنكون كمن يقطع الأشجار الوارفة و المثمرة في بستانه، خوفا من أن تستظل بها الحيوانات الضالة !.
في الصميم .. بارك الله بك وبقلمك وتفكيرك ..
حبذا لو كتبت عبارة صلى الله عليه وسلم بعد كل كلمة الرسول ..
مقال رائع جدا ويحتاج جهد من الحكومه ومن المواطن لإبراز حضارتنا وتراثنا والمحافظة عليها.