
الملكية الفكرية والفن في الصناعة
بقلم / وزير مفوض د. مها بخيت
مدير إدارة الملكية الفكرية والتنافسية بجامعة الدول العربية
طالعتنا الصحف منذ أيام بخبر عن ممثلة مصرية مشهورة تعتذر لمصمم أزياء لبناني شهير عن ارتداءها لفستان في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي مشابه لفستان من تصميمه، وعند قراءتي لهذا الخبر تملكتني الفرحة والسرور لسببين، السبب الأول هو ما تمتلكه هذه الممثلة من قيم واخلاقيات وثقافة الاعتذار لأنها ثقافة لا يمتلكها أي شخص، فهي تمتلك الشجاعة لتعتذر عن استخدامها واستغلالها لشيء مملوك لشخص اخر دون معرفته ودون أخذ موافقته، وعندما عرفتْ أن ملكية هذا الشيء تعود لشخص آخر بادرت و سارعت بالاعتذار، أما السبب الثاني فهو أن رسالة احترام حقوق الملكية الفكرية قد وصلت للجميع، وصلت هذه الرسالة والتي تتمثل في نشر ثقافة احترام حقوق الملكية الفكرية و التي بذلنا فيها جهوداً حثيثة من خلال جامعة الدول العربية لسنوات عديدة ومن خلال التعاون مع الحكومات العربية والمنظمة العالمية للملكية الفكرية وذلك من أجل الارتقاء بمنظومة حماية حقوق الملكية الفكرية في الوطن العربي وحمايتها واحترامها تقديراً للإبداع والمبدعين وللاختراع والابتكار والمخترعين، وذلك عبر تطوير التشريعات الخاصة لحماية حقوق الملكية الفكرية والانضمام للاتفاقيات الدولية وتدريب الكوادر البشرية العاملة في مجال تسجيل حقوق الملكية الفكرية في المنطقة العربية بالإضافة إلى إقامة الندوات وورش العمل مع الكيانات المختلفة من أجل تطوير منظومة الملكية الفكرية في الدول العربية.
تعتبر حماية التصميمات الصناعية أو الـ Design جزء لا يتجزأ من قوانين الملكية الفكرية وهي التي تعطى السلع شكلاً جميلاً وجذاباً وبالتالي يُقبل المستهلك على شرائها. وهذا ما ذكرته الفنانة المصرية التي استخدمت الفستان الذى صممه المصمم اللبناني الشهير حيث تم سؤالها لماذا ترتدى فستان مشابه للفستان الذى صممه المصمم اللبناني فكانت اجابتها بمنتهى البساطة “لقد وقعت في غرام كل تفاصيل الفستان”، فهذا يؤكد أن الحماية في التصميمات الصناعية أو الـ Design تكون للمظهر الخارجي الزخرفي للسلعة سواء كان خطوط أو الوان أو مجسم وهو الذى يجذب المستهلك ولذلك تكون الحماية في التصميمات فقط للمظهر الخارجي الجذاب للسلعة أو المنتج أيا كان نوعه سواء كان المنتج ملابس- حقائب- سيارات – أدوات كهربائية- مباني-أدوات منزلية… الخ، لأن أي منتج ذو تصميم متفرد يمثل سوق رائج يدر ملايين الدولارات لذلك إذا لم يتم حمايته سيتم الاعتداء عليه وتكمن الفائدة الرئيسية من حماية التصميم الصناعي هي لردع الآخرين اللذين ينتهكون حقوق المصمم (The Designer) الذى اجتهد وابتكر هذا التصميم ويقومون باستغلاله بدون معرفته أو أخذ الإذن منه.
ولكي يتمتع المصمم بالحماية التي تتيحها له قوانين الملكية الفكرية لابد عليه أن يكون قد سجل تصميمه هذا في مكتب تسجيل التصميمات الصناعية لكي تحظى جميع أعماله بالحماية ولكي يردع كل معتدٍ ومقلد وناسخ لتصميمه، وأيضاً الحماية تحارب المنافسة غير المشروعة والأعمال التي يقوم بها الآخرون المنافسون غير الشرفاء والذين يقومون بالتقليد واستخدام المنتجات أو السلع المملوكة للغير ويقلدونها دون أخذ الإذن منهم والحصول على موافقتهم.
اذاً الحماية هي جوهرية والتسجيل هو جوهري ولكن للحصول على الحماية لا بد من التسجيل ولا توجد حماية بدون تسجيل، والتسجيل يكون بتقديم طلب إلى الجهة الحكومية المختصة بتسجيل حقوق الملكية الفكرية للتصميمات والنماذج الصناعية.
ولا يستطيع أي مصمم أزياء أو أي منتجات أخري أن يمنع الغير من استخدام منتجاته لو لم تكن هذه المنتجات قد تم تسجيلها لدي الجهة الحكومية المختصة، ولكن في تسجيل التصميمات والنماذج الصناعية نلاحظ أن هنالك ضعف في إقبال أغلب المصممين وبالأخص مصممي الأزياء على التسجيل، لأن التسجيل قد يكون في بعض الأحيان إجراءاته طويلة لذلك فالمصمم قد يتجاهل الذهاب إلى مكتب التسجيل أو حتى تكليف وكيل أو محامي للقيام بإجراءات التسجيل، والأسباب التي يذكرها عادة مصممي هذه الأزياء هي أن الموضة متغيرة وسريعة ولا تنتظر هذه الإجراءات الطويلة ولكن لو عرف مصمم الأزياء أن هذه التصاميم قد تدر عليه ملايين الدولارات وهي سوق مزدهرة فسوف يبذل مجهود لحماية هذه الملايين من الاعتداءات لأنه إذا لم يقم بالتسجيل فتصميمه مباح والجميع يستطيع أن يستخدمه لأنه غير مسجل في أي مكان.
إن التصميمات والنماذج الصناعية هي جزء من قوانين الملكية الفكرية وهي جانب من جوانب الإبداع البشرى، وقد أطلق بعض العلماء على التصميمات الصناعية Design “الذكاء المرئي” لأنها تدخل في كل شيء نحن نراه جميلاً وهي ترتقي بذوق المستهلك وتجعل السلعة جذابة ومغرية فيقبل المستهلك على شرائها سواء كانت هذه السلع مباني أو أثاث أو أدوات كهربائية أو ملابس.
ولقد ذكر الدكتور فرانسيس قيري المدير العام السابق للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، أن التصميمات والنماذج الصناعية تلعب دور كبير في السوق والمجتمع وفى رسم شكل الابتكارات في المستقبل وأن خلف كل تصميم جديد هنالك Designer مصمم ومبتكر لديه رغبة في تمهيد طريق جديد لتحسين خبرات المستهلكين كما أن التصميم الجديد والجميل يسهل على المستهلك استخدام المنتجات والسلع ويجعلها أكثر راحة وأمناً بالنسبة له، لذلك يستحق كل مبدع وكل صاحب تصميم جديد ومتميز كل التقدير والاحترام وهذا يكون بحماية منتجاته وتصميماته وعدم الاعتداء عليها واستخدامها دون إذنه، ولكن عليه هو أن يبادر بتسجيلها لدي الجهة المختصة بتسجيل التصميمات والنماذج الصناعية.