دور أولياء الأمور في نجاح لائحة تقويم الطالب الجديدة

علي بن عيضة المالكي

كاتب رأي

مع دخول العام الدراسي الجديد حيز التنفيذ، جاءت لائحة تقويم الطالب بصيغة محدثة، تهدف إلى إحداث نقلة نوعية في العملية التعليمية، تقوم على تنمية المهارات وصقل القيم إلى جانب التحصيل الأكاديمي. ورغم أن الأنظار غالبًا ما تتجه نحو المدرسة والمعلم، إلا أن هناك ضلعًا ثالثًا في المثلث التعليمي لا يقل أهمية، وهو ولي الأمر، الذي يمثل الامتداد الطبيعي لدور المدرسة في البيت.

حينما تحدث وزارة التعليم اللوائح المنظمة للعمل التربوي، فإن نجاحها لا يتوقف على المدرسة والمعلمين وحدهم، إنما يمتد ليشمل شريكًا أساسيًّا في العملية التربوية، وهو ولي الأمر. فالتقويم ليس مجرد درجات أو اختبارات، وإنما منظومة متكاملة تهدف إلى متابعة تطور الطالب علميًّا، وسلوكيًّا، ومهاريًّا، وهنا يظهر بوضوح الدور المحوري للأسرة.

يحتاج الطالب إلى من يتابع حضوره وإنجازه وواجباته اليومية. وحين يحرص ولي الأمر على الاطلاع الدوري على تقارير المدرسة ومنصة التقويم، فهو يضمن سد الثغرات مبكرًا قبل أن تتفاقم. التواصل الفعال مع المجتمع المدرسي يخلق جسورًا من الفهم المتبادل، ويساعد في معرفة أسباب أي تراجع لدى الطالب، سواء كان أكاديميًّا أو نفسيًّا أو سلوكيًّا.

كما أن الطالب يحتاج إلى بيئة منزلية مطمئنة تشجعه على التعلم، بعيدًا عن الضغوط الزائدة أو المقارنات السلبية. دور ولي الأمر هنا يتمثل في بث روح الثقة، وتحويل التقويم إلى فرصة للتطور. ثم إنه من خلال متابعة الأبناء وتوجيههم، يتعلم الطالب أن نجاحه مسؤولية مشتركة بينه وبين أسرته، وليس مهمة ملقاة على عاتق المدرسة وحدها.

اللائحة الجديدة التي صدرت بداية العام الدراسي تحمل تغييرات في آليات التقييم «مشروعات، مهارات، مشاركات صفية»، وهنا يجب على ولي الأمر أن يتقبل هذه النقلة، ويعد أبناءه للتفاعل معها بإيجابية بدلًا من التذمر أو الحنين إلى الأساليب التقليدية.

الواقع أنه لم يعد دور ولي الأمر مقتصرًا على السؤال التقليدي: «هل أنجزت واجباتك؟»، بيد أنه أصبح أكثر عمقًا واتساعًا. فالتقويم الجديد يعتمد على التراكمية في الأداء، ما يستلزم متابعة دؤوبة لسلوك الطالب وحضوره ومشاركته الصفية، فضلًا عن مراجعة التقارير الدورية عبر منصة مدرستي. هذه المتابعة تمثل خط الدفاع الأول ضد أي تعثر قد يواجهه الطالب في رحلته التعليمية.

اعلم جيدًا، أخي ولي الأمر، أن المدرسة اليوم لم تعد مؤسسة تعليمية تقتصر على تقديم حزم تربوية، وإنما باتت شريكًا تربويًّا يحتاج إلى تواصل مستمر مع الأسرة، ولها أدوار متعددة مختلفة تمامًا عن الماضي. ووعي أولياء الأمور بضرورة حضور الاجتماعات المدرسية، والتجاوب مع الملاحظات، يعزز من نجاح تطبيق اللائحة. فكل تقرير يرسله المعلم أو الموجه الطلابي ليس مجرد ورقة، إنما هو جسر للتعاون في حل المشكلات مبكرًا، أعني مشكلات التحصيل الدراسي التي يمكن أن تؤثر سلبًا على مستقبل الطالب في حال عدم فهمها بالصورة المأمولة.

وبما أن اللائحة تركز على تحقيق نواتج تعلم مرتفعة، فإن أحد أبرز أدوار أولياء الأمور يتمثل في تخفيف الضغوط النفسية عن الطالب. فبدلًا من اختزال التقييم في درجات قد تصيب الطالب بالقلق، يستطيع ولي الأمر أن يحوله إلى مساحة للنمو، عبر تشجيع الأبناء على بذل الجهد، والثناء على تقدمهم ولو كان بسيطًا. هذا الدعم المعنوي غالبًا ما يكون العامل الفارق بين طالب متراجع وطالب متفوق.

ومما لا شك فيه أنه من الطبيعي أن يواجه أي نظام جديد شيئًا من المقاومة، إلا أن استيعاب أولياء الأمور لأهمية التطوير، وإدراكهم أن التغيير ليس غاية بحد ذاته، وإنما وسيلة لتحسين جودة التعليم، يجعلهم مساهمين في إنجاح التجربة بدلًا من تعطيلها. فالتقويم الجديد يركز على عدم الغياب، وعلى المشاريع التربوية، ويدعم التفكير النقدي، والمهارات الحياتية، وهي أدوات يحتاجها الطالب لمستقبله، لا لمجرد عبور عام دراسي.

بقي شيء أخير قبل أن أختم: إذا أردنا أن تنجح اللائحة الجديدة، فمن الواجب فهم واستيعاب ما جاءت به، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تشكلت حلقة متكاملة تضم: الطالب، والمعلم، والمدرسة، وولي الأمر. وكلما كان دور الأسرة أكثر وعيًا وتفاعلًا، انعكس ذلك على بناء جيل قادر على التعلم المستمر، واثق في ذاته، ومؤهل لمتطلبات المستقبل.

في النهاية، إن نجاح لائحة تقويم الطالب الجديدة ليس مهمة المعلم وحده، ولا تحديًا للطالب بمفرده، إنما هو مسؤولية جماعية تتطلب تكاتف جميع الأطراف. وأولياء الأمور يظلون المحرك الصامت الذي إن أحسن التفاعل معها، أسهم في تخريج جيل أكثر وعيًا، وأوسع أفقًا، وأقدر على مواجهة تحديات الغد.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟