موظف بلا كرسي! إهمال إداري أم رسالة تهميش صامتة؟

علي بن عيضة المالكي
كاتب رأي

 

الكرسي في بيئة العمل ليس مجرد قطعة أثاث، إنه رمز للوجود والاعتراف والمكانة. حين يترك موظف بلا كرسي في مقر عمله، فإن هذا التجاهل البسيط في الشكل يحمل بين طياته رسائل عميقة عن الإهمال الإداري والتهميش الرمزي. هذا الغياب ليس مسألة راحة جسدية، وإنما انعكاس لثقافة المؤسسة ونظرتها إلى موظفيها، وقد يترك أثرا نفسيا طويل المدى على من يواجه هذا التجاهل اليومي.

تلك المنطلقات الرمزية يمكنها مساعدتنا في رؤية الأبعاد المهمة للموضوع، وتسليط الضوء عليها من زوايا متعددة نفسية، وإدارية، واجتماعية، سأتناولها صديقي القارئ كقطع نصية:

الرمزية وراء الكرسي

الكرسي يجسد أكثر من مجرد مقعد للجلوس، فهو رمز للمشاركة، وللقبول الاجتماعي، وللمكانة داخل المؤسسة. الموظف الذي يترك بلا كرسي يجبر على الوقوف، وكأن وجوده أصبح ثانويا، وكأن صوته غير مسموع، وكأن دوره غير مهم. في هذا السياق، يصبح الكرسي علامة على النضج الإداري، حضوره يشير إلى الاعتراف بحق الموظف، وغيابه يرسل رسالة عكسية تماما.

الجانب النفسي

ترك الموظف بلا كرسي يولد شعورا بالتهميش. هذا الإحساس يمكن أن يترجم إلى فقدان الثقة في الإدارة، وضعف الانتماء للمؤسسة، وانخفاض الدافعية. فالإنسان بطبعه يحتاج للاعتراف بمجهوده ومكانته، وأبسط تفاصيل العمل اليومية، مثل الكرسي، قادرة على تحفيز الموظف أو إحباطه. الدراسات النفسية تؤكد أن بيئة العمل التي تهمل راحة الموظف تؤثر بشكل مباشر على إنتاجيته، وتزيد من مستويات التوتر والإحباط، ما يؤدي بدوره إلى نتائج سلبية على الأداء العام للمؤسسة.

البعد الإداري

من منظور الإدارة، هذا الموقف يعكس ضعف التخطيط وقصور الاهتمام بالموارد البشرية. توفير كرسي لكل موظف يبدو أمرا بسيطا، لكنه جزء من بيئة العمل المنظمة التي تحافظ على كرامة الفرد وتشجع الإنتاجية. تجاهل مثل هذه التفاصيل قد يوحي بأن الإدارة لا ترى الموظف إلا كأداة تنفيذية، وليس كعنصر محوري في نجاح المؤسسة.

البعد الاجتماعي

غياب الكرسي لا يؤثر على الموظف فحسب، بل يرسل رسالة إلى الزملاء أيضا: «أن بعض الأفراد يمكن أن يهمشوا أو يستثنوا من الحقوق الأساسية». في المقابل، الموظف الذي يحظى بالمكانة والمقعد يشعر بالتمكين والانتماء. وفي المجمل، تصبح هذه التفاصيل الصغيرة مؤشرا على ثقافة المؤسسة، ومدى احترامها للقيم الإنسانية والمهنية.

الأمثلة الواقعية

هناك مؤسسات اعتمدت على تحسين بيئة العمل من خلال توفير مقاعد مريحة، ومساحات عمل ملائمة، ووسائل دعم للموظف، ولاحظت ارتفاع مستويات الإنتاجية والانتماء. بالمقابل، شهدت مؤسسات أخرى مشاكل نفسية وإدارية نتيجة تجاهل هذه التفاصيل، حيث يشعر الموظف وكأنه غير مرغوب فيه، ويبحث عن فرص أخرى تقدر وجوده.

خاتمة الكلام

الكرسي ليس مجرد خشب ومعدن، بل هو اعتراف بوجود الموظف ودوره داخل المؤسسة. وترك الموظف بلا وسيلة راحة هو إهمال إداري يقرأ كرسالة تهميش صامتة، لكنها تحمل أثرا قويا على الفرد والمؤسسة معا.

المؤسسات الناجحة هي التي تدرك أن التفاصيل الصغيرة قد تحمل رسائل أكبر من الشعارات الكبيرة، وأن الاستثمار في بيئة عمل عادلة ومهيأة يعكس احترامها لموظفيها ويعزز الولاء والإنتاجية. فالكرسي المفقود قد يكون أكثر وضوحا من أي كلمة مكتوبة عن قيم المؤسسة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟