لا تنازل عن استقلال القضاء
بقلم المستشار القانوني: أحمد الحربي
إن من أكبر التحديات أمام القضاء هو ما قد يشوب أي قضية من حملات إعلامية ضد أحد أطراف القضية أو ضد الجهات القضائية.
فجميع من يتعامل مع القضية معرض للضغوطات، سواءً قضاء أو نيابة عامة أو أطراف التقاضي من المدعين بالحق الخاص والمتهمين. ولمنع أي تأثير على مجريات القضية فلابد من الحرص الدائم على التأكيد لأطراف التقاضي بحياد القضاء وأن النيابة العامة خصم شريف يبحث عن العدالة فقط.
حيث أن جهتي القضاء والنيابة العامة محكومة في مثل هذه القضايا بنظام صارم محدِد لجميع الإجراءات من حين وقوع الجريمة لحين تنفيذ الحكم، وبذلك لا يتصور أن تقع هذه الجهتان في الخطأ نتيجة أي ضغوطات أو حملات إعلامية قد تنعكس على أي متهم سلبا أو إيجابا بمعاقبة بريء أو بإفلات مدان من العقوبة.
ففي قضية كقضية مقتل المواطن جمال خاشقجي، بدأت الضغوطات بشن هجمة اعلامية منظمة ضد المملكة ، فلم تكن الحملة موجهة باتجاه واحد بل في عدة اتجاهات، من كيل اتهامات وتلاعب بالأدلة وتسريب معلومات مضللة إلى اتهام مباشر.
وحيث أن الجريمة وقعت في أرض سعودية بحسب القانون الدولي، فإن النظام الواجب التطبيق هو نظام الاجراءات الجزائية السعودي، فهذا الأمر شأن سيادي غير قابل للتنازل، وعليه فإن المملكة غير معنية بكل ما قد تتوصل اليه نتائج تحقيقات أي جهة أخرى، وقد عالجت الانابات القضائية هذا الموضوع بحيث يتم طلب كافة الأدلة التي توصلت لها الجهات الخارجية ليتم فحصها وعرضها على القضاء لتقوم المحكمة حينها بالنظر في قوتها وحجيتها سواء كانت أدلة اثبات أم أدلة براءة. حيث أرسلت المملكة للسلطات التركية ثلاثة عشر انابة لم يرد الجانب التركي إلا على إنابة واحدة.
وحيث لم يتم توجيه التهمة لبعض المتهمين لعدم وجود أدلة، كما تم توجيه التهمة لآخرين وصدرت أحكام بعدم الإدانة في صالحهم من المحكمة، حيث سبق وقرر المجلس الأعلى للقضاء منع الحكم بالشبهة أو توجه التهمة، حيث منع القضاة من الحكم على أي متهم لمجرد الشبهة، فإما الإدانة أو البراءة، ويأتي ذلك لمنع التوسع في الاجتهاد المبني على القرائن الضعيفة التي تظهر في بعض القضايا ولا تصل لمرحلة اليقين بالإدانة، حيث أن الأصل في الشريعة الاسلامية هي البراءة ولا يحكم بخلاف ذلك إلا بوجود دليل.
الجدير بالذكر أن القضايا الجزائية التي تصدر في قضايا القتل تنظر من المحاكم الجزائية وينظرها 3 قضاة، ترفع بعدها لمحكمة الاستئناف لتدقيق الحكم من 5 قضاة ثم يرفع بعدها للمحكمة العليا لتنظر من خمس قضاة وهي حالة تنظرها المحكمة العليا كمحكمة موضوع وليس محكمة قانون.
كما يجدر الذكر بأنه في تقرير التنافسية العالمية عام 2019 تقدمت المملكة في مؤشر “استقلال القضاء ” ثماني مراتب فاصبحت بالمرتبة 16 عالميا وهو من أهم مؤشرات التنافسية والذي يقوم على عدة معايير أهمها إعمال القضاء للقوانين السارية في البلد، وسرعة التقاضي، وحياد القضاء دون وجود أي تدخلات.
إن ما تقوم به وزارة العدل من تطوير للمنظومة القضائية يعد من الأعمال الجبارة التي تصب في مصلحة الجميع، فالعدالة من أهم الركائز وسمات المجتمعات المتحضرة، وسرعة التقاضي هي من أبرز سمات العدالة فقد قال تعالى في سورة الأنعام: (مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين ) ومن ذلك فقد قامت وزارة العدل بالعديد من المبادرات في هذاالمجال ومنها تفعيل اجراءات المحاكمة عن بعد للسجناء في 5 محاكم و 5 سجون بالتعاون مع وزارة الداخلية بهدف تسريع التقاضي، كما وضعت مؤشرات لتحديد سقف أعلى لعدد جلسات التقاضي بالقضايا اليسيرة لمنع إطالة أمد التقاضي دون مبرر.
Twitter: alharbi_ahmaad