عام جديد أم سنة جديدة! (2)

مع بداية العام الهجري هذا كتبت هنا (عام جديد أم سنة جديدة!) تعرضت في ذلك المقال عن الفرق اللغوي والدلالي في استخدام مصطلحي العام والسنة، وعلاقتها بخصوبة المدة وجفافها.

واستكمالاً للموضوع ومع بداية عام ميلادي جديد سأتطرق إلى العام الجديد أو السنة الجديدة من خلال ملامح (بعض)الناس في التعامل مع بداية العام ما بين التمني والرجاء، والتفاؤل والتشاؤم، والأمل واليأس، وكذلك دور تجار التوقعات والمنصات الإعلامية وقدرتهم على ترسيخ بعض المفاهيم في أذهان البعض لأهداف استراتيجية قصيرة الأجل وأخرى طويلة الأجل.

تلك الأهداف التي تتأرجح حول الاستثمار المادي، والاستثمار الفكري العاطفي ويحركهما بالتأكيد فكر سياسي ذو مقصد اقتصادي وثقافي بعيد.

فالتوقعات والتنبؤات التي ينتظرها العديد من الناس والذين تتزايد أعدادهم عامًا بعد عام يتسمرون أمام الشاشات ليستأنسوا بتلك الأحاجي و(الشعوذيات) التي (يتلوها) العرافون علهم يجدون ما يحاكي تمنياتهم.

التنبؤات ليست جديدة، بل موجودة من الأزمنة السابقة، وفي كل الأمم وبطرق مختلفة منذ سجع الكهان أو ربما أقدم.

يقبل عليها في الغالب المهزومون داخليًا من حيث الفكر والضعف والجهل، وحين جاء الإسلام نهى عنها وحذر من يأتي كاهنًا أو عرّافًا.

أما اليوم فالكاهن هو من يأتي الناس في بيوتهم بل في جيوبهم من خلال الأجهزة الصديقة!

ومن أشهر الكهان والعرافين قديمًا عند العرب (عراف اليمامة وشق وسطيح)وغيرهم، ففي “ثمار القلوب في المضاف والمنسوبلعبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي قال: عراف اليمامة أحد كهان العرب المعروفين، مثل حازية جهينة، وكاهنة باهلة، ومثل شق وسطيح. فأما عراف اليمامة فهو رياح بن كحيلة”.

وفي عراف اليمامة يقول عروة بن حزام: (فقلت لعراف اليمامة داوني *** فإنك إن أبرأتني لطبيب)

وعائشة التيمورية في رثاء ابنتها وما عانته من ألم الفراق: (لو جاء عراف اليمامة يبتغي***برئي لرد الطرف وهو حسير)

ومن أشهر (العرافين) العالميين الفرنسي (نوسترا داموس) والعرافة البلغارية العمياء (بابا فانجا) وغيرهما الكثير. والملفت للنظر كثرة مرتادي المواقع الإلكترونية الخاصة بهؤلاء الكهان او العرافين!

وفي وقنا المعاصر هذا ظهر الكثير من العرافين أو (الكهان الجدد) ولكلٍ أسلوبه في عرض كهانته. وحديث المجالس في أول أيام السنة الميلادية لا بد أن يعرّج فيه على ما قاله (فلان) وما قالته (فلانة) بل ويستذكر البعض ما قاله أولئك (الكهان) في سنوات مضت!

والمهتمون بهذه الأمور هم يعيشون في هزيمة داخلية، نتيجة الضعف الشخصي والقصور المعرفي الأمر الذي قادهم إلى العيش في أوهام التمني والأماني، مبتعدين عن الأمل والرجاء، وهناك فرق بين التمني والترجي!

فالتمنّي: فهو طلب أمْرٍ محبوبٍ أو مرغوبٍ فيه، ولكن لا يُرْجَى حصولُهُ في اعتقاد المتمنّي، لاستحالته في تصوُّره، أو هو لا يطمَعُ في الحصول عليه، إذْ يراه بالنسبة إليه معذّراً بعيد المنال.

قال ابن الرومي: (فَلَيْتَ اللَّيْلَ فِيهِ كان شَهْراً *** وَمَرَّ نَهَارُهُ مَرَّ السَّحَابِ)

وقال آخر: (*لَيْتَ الكوَاكِبَ تُدْنُوا لِي فَأَنْظِمَها ***عُقُودَ مَدْحٍ فَمَا أَرْضَى لَكُمْ كَلِمِي)

وأمام التَّرَجِّي: فهو طلبُ أمْرٍ محبوبٍ أو مَرْغُوبٍ فيه، مع إمكانية الحصول عليه.

ومنه قول البوصيري: (لَعَلَّ رَحْمَةَ رَبِّ حِينَ يَقْسِمُهَا *** تَأْتِي عَلَى حَسَبِ الْعِصْيَانِ في الْقِسَمِ)

وقال آخر: (عَسَى الكَرْبُ الَّذِي أمْسَيْتُ فِيهِ *** يَكُونُ وَرَاءُه فَرَجٌ قَرِيبُ)

عيشوا بالأمل والعمل والرجاء، ولا تركنوا للكسل والتسويف والتمني.

وكل عام وأنتم بخير

(لَعَلَّ خَيالَ العامِرِيَّةِ زائِرُ***فَيُسعَدَ مَهجورٌ وَيُسعَدَ هاجِرُ) *أبو فراس الحمداني

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟