معايير الجمال 

بقلم: سميّة جلّون

 

انتشر مؤخراً في عالمنا العربي وخصوصاً في السنوات الأخيرة هوس استخدام عقاقير تجميلية لتحقيق معايير جديدة تعرف من خلالها أنهذا الشخص هو الأجمل وذي الطلة الجاذبة، والذي يتميز بشفاه غليظة وأيدي خالية من العروق البارزة ووجنات ممتلئة ورموش كثيفة، فيحين أن أغلب الفئات العمرية من ١٨ الى ٦٠ سنة من الجنسين أدمنوا حضور مواعيد عيادات التجميل والبحث عن طرق جديدة لتحسينمظهر الوجه والبشرة حسب هذه المعايير وأيضاً التخطيط لميزانية مالية جديدة تيّسر لهم الحصول على هذه الرغبات نجد أن الفئات المتبقيةمن المجتمع العربي تنقسم إلى فئة لا تقوى على التكاليف الباهظة وفئة أخرى باقية على حبها الفطري للجمال الطبيعي وخلقة الله الشريفةمع العناية المستمرة والاستمتاع بتجربة عيش كل يوم بجماله وكل مرحلة عمرية بإيجابياتها وسلبياتها.

ولكن لماذا هذا الاختلاف ؟ 

ولماذا القبول والرفض من البعض ؟

ولماذا الجرأة في الاقدام على التغيير او التهرب منه ؟ 

ولماذا انقسام الفريقين بين مؤيد ومعارض كان من مصلحة رفع وعي المجتمع ؟

أربعة أسئلة ولها إجابة واحدة: (إختلاف أمتي رحمة) قالها عليه الصلاة والسلام منذ ألف وأربعمائة وواحد وأربعون عاماً وأغلق بها أبوابالمزيد من التساؤلات حول اختلاف البشر، بينما نشهد نحن في يومنا هذا نيران التنمر المشتعلة والانتقاد والسخرية في مواقع التواصلالاجتماعي والصحف والمجلات للعبث بمواطن الضعف عند من يجرؤ على التغيير ويفكك قيود ونظرة المجتمع وعاداته إلى ما يرغب بالحصولعليه والشعور المصاحب لهذا التغيير بينما لا يعلم الطرف الآخر ماهو باطن سبب هذه الجرأة وخفايا  الثمن المدفوع مقابلها.

وأكد باحثون في مجال علم النفس أن اللجوء إلى تغيير المظهر الخارجي لشكل الشخص بحثاً عن التحسين والجمال يكون من الأشخاصالأكثر إيمانا بأن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم، أيضاً هم نفس الأشخاص الأكثر فقداً للثقة بأنفسهم والقبول لذواتهم من الداخل نتيجةالتعرض لسلسة سلوكيات من التنمر عليهم في مرحلة الطفولة وإلقاء اللوم في عدد من المشاكل إليهم في مرحلة المراهقة وضغط المسؤولياتفوق رؤوسهم بعد البلوغ حيث لم يجدو منفذاً أو مساحة لتفويض كل ما مرّ عليهم إلى أشخاص آخرين يتحملون هذه الفقاقيع النفسية كماتحملتها أنفسهم، فكان أسهل وأبسط الطرق للتخلص منها، هو اللجوء إلى المرآة للنظر إلى شكل جميل وجسد على قياسات محددة حيثتبعث هذه النتائج مشاعر بهجة وثقة عالية بالنفس واستحسان وقبول من الناس وتوضح مستوى المعيشة الذي يتمتع به هذا الشخص ،، فلايضطر الى العودة لمشاعر الخجل أو فتح جروح من الماضي مع الآلام المصاحبة لها.

وفعلاً قد يكون هذا الحل في بعض الظروف ومع بعض الأشخاص هو المفتاح السحري لجذب الجديد من الأصدقاء والوظائف والأزواج وحتىبعض الممتلكات، فبين مؤيد ومعارض وجمال طبيعي وأوجه ذات معايير جمال محددة فإن العلاقة بين الشخص وذاته أصبحت إما ثبات علىالخلقة الفطرية والإيمان بأن كل ما في الكون مسخر لي حتى أكون سعيد وناجح، وإما تعديل للمظهر والشكل الخارجي تتم صناعته بشرياًوتم اختياره للنجاح على مقياس بشري بحت.

ولا يسعني في هذا المقال إلا أن أساهم في رفع الوعي عند اختيار القبول أو الرفض أو أخذ موقف حياد تجاه هذه الجرأة في التغيير كونهاحرية شخصية تفتقر إلى مساحة احترام وتقدير لإختيار التغيير لكل شخص حتى تتحقق عدالة السماء في الأرض ورحمةً بما مرّ به هذاالجريء حتى تكتمل رسالة الاختلاف بيننا في تحقيق الإتزان على هذا الكوكب، فكما تغرب الشمس من جهة فإنها تشرق من جهة أجمل

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟