الملكية الفكرية الابتكار أو الاندثار

بقلم / وزير مفوض د. مها بخيت

مدير إدارة الملكية الفكرية والتنافسية بجامعة الدول العربية

الابتكار او الاندثار هو عنوان التقرير العاشر للتنمية الثقافية الذى صدر من مؤسسة الفكر العربي ، ولقد تم اطلاق التقرير في حفل بمدينة دبى في 9 ابريل 2018 بحضور ومشاركة الامير خالد الفيصل رئيس مؤسسة الفكر العربي ومعالى نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة بدولة الامارات العربية المتحدة ، والبروفيسور هنري العويط مدير عام مؤسسة الفكر العربي وبمشاركة الكُتاب الذين قاموا بتأليف التقرير. ولقد قام بكتابة هذا التقرير 25 باحث من 13 دولة عربية وتم تسليط الضوء عبى البحث العلمي في الدول العربية وواقع التعليم العالي فى الدول العربية وحالة الثقافة العلمية العربية وآليات بناء اقتصاد المعرفة ونقل التكنولوجيا والدبلوماسية العلمية والاعلام العلمي ودوره في بناء الثقافة العربية والملكية الفكرية وحقوق منتجي العلم والتكنولوجيا والمرأة العربية وانتاج المعارف العلمية .

حاول الباحثون ان يجدوا اجابة على تساؤلات عديدة عن سد الفجوة المعرفية بين الدول العربية والدول المتقدمة  وعن دور الابتكار في الدول العربية والتي سوف يكون مصيرها الاندثار اذا لم تتبع طريق الابتكار، ولقد اسند اليه  فى هذا التقرير الكتابة عن المرأة العربية وانتاج المعرف العلمية والتكنولوجية والتحديات التي تجابهها في المجتمعات العربية كناحية الاطر المؤسساتية والمبادرات العربية المؤثرة ، وذلك فى بحث من حوالى 4000 كلمة حاولت من خلالها القاء الضوء على نسب مشاركة المرأة في العلوم والتكنولوجيا فى الدول العربية والتي تختلف من دولة الى اخرى  ومن مجتمع الى اخر. وبالرغم من العوائق المختلفة التي تواجه المرأة من عادات وتقاليد ونظرة دونية الى المرأة الا ان هنالك تقدماً عاماً في نسب مشاركة النساء في مجال العلوم والتكنولوجيا ولكن السؤال المحوري هو هل كانت هذه المشاركة تنم عن مشاركة حقيقية حيوية وعميقة ام انها مشاركة مظهرية فقط؟

لا بد من الاعتراف بأن الحكومات العربية اظهرت التزامها الكامل بالاهتمام بتكافؤ الفرص في  مجالات البحث العلمي والتكنولوجي والهندسة ، لذلك اشار تقرير اليونسكو الى ان هنالك مشاركة قوية للنساء يشهدها العالم العربي في مجال الهندسة حيث اتخذت بعض الحكومات من تطوير اقتصاد المعرفة أولوية من أولوياتها وقامت بوضع سياسات لتعزيز وتدريب وتوظيف النساء وزيادة نسبتهن في  القوى العاملة .ووفق تقرير اليونسكو للعلوم فإن النساء في  دولة الامارات العربية المتحدة اللائي انخرطن في مجال الهندسة قد انجذبن لهذا المجال لأسباب متعددة منها الاستقلالية المادية والمكانة الاجتماعية المرموقة المصاحبة للعمل  في  هذا المجال والفرصة للانخراط في  مشاريع ابداعية مليئة بالتحديات بالإضافة الى فرص العمل الكثيرة في  هذا المجال.

وتعقد العديد من المؤتمرات العلمية التي تركز على تمكين النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا ، فعلى سبيل المثال عقد المؤتمر الاول بعنوان ” المرأة العربية في  العلوم والتكنولوجيا ـــــــ التعزيز لأجل التنمية في العالم العربي” في سبتمبر 2009 بمدينة دبى ويعتبر هو المؤتمر الاول من نوعه في العلوم والتكنولوجيا بالنسبة للمرأة العربية،  بحضور اكثر من 200 امرأة عربية بينهن عالمات وباحثات وسيدات اعمال نظمته المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا بالاشتراك مع منظمة اليونسكو ومنظمة الايسيسكو، وقد سلط الضوء على واقع المرأة العربية وانجازاتها في مجال العلوم والتكنولوجيا والتحديات التي تعرقل انخراطها في برامج التنمية وتبوء مراكز القيادة،  والجهود التي تبذلها الدول العربية لتعزيز دور المرأة في هذه المجالات.

 

 

ثم عقد  المؤتمر الثاني حول” المرأة العربية في العلوم والتكنولوجيا من اجل تنمية مستدامة” وهو استكمالا للمؤتمر الاول سالف الذكر، ولقد عقد المؤتمر بالعاصمة السودانية الخرطوم في  مايو عام 2014 وذلك بتنظيم من وزارة العلوم والاتصالات بالسودان بالتعاون بين المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا  ومدينة افريقيا التكنولوجية بالخرطوم ، ويهدف هذا المؤتمر الى التأكيد على الدور الريادي للمرأة العربية في ميادين البحث العلمي والابتكار ، وكانت محاور المؤتمر عن الاتصالات والمعلومات، تكنولوجيا الفضاء، الزراعة وتكنولوجيا الاغذية ، البيئة والطاقة والمياه، العلوم الحياتية والعلوم الهندسية.

كما عقد المؤتمر الدولي للقيادات النسائية في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة في  اكتوبر 2017 بدولة الكويت  تحت رعاية صاحب السمو الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح وتم فيه تسليط الضوء على ما حققته المرأة الكويتية من انجازات في  عدة مجالات اهمها المجالات العلمية وان الحكومة الكويتية  تمضى قدماً على دعم المرأة في  هذه المجالات وتأهيلهن بما يساهم في  زيادة اعداد القيادات النسائية الناجحة. ويتضح من كل هذا ان هنالك تزايد في الاهتمام بعقد المؤتمرات الأنشطة التي تبرز مشاركة المرأة في مجال العلوم والتكنولوجيا وتسليط الضوء على الانجازات التي تحققت في بعض الدول العربية.

بما ان المرأة هي احدى اهم الاطراف المساهمة في  تحقيق التنمية المستدامة، وان تمكين المرأة وتشجيعها على الابتكار وتحقيق المساواة يعتبر من الاسس اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة ، تولى جامعة الدول العربية اهتماماً كبيراً بقضايا المرأة ولذلك عملت علي اصدار (اعلان القاهرة للمرأة العربية) “أجندة التنمية للمرأة العربية لما بعد 2015″ بالتعاون مع هيئة الامم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي اسيا(الاسكوا)ـ، وقد عرض اعلان القاهرة على الدورة (58) للجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة والتي عقدت في مارس 2014 بمقر الامم المتحدة بنيويورك وتم اعتماد الاعلان كأحد الوثائق الرسمية للأمم المتحدة لأجندة تنمية المرأة العربية لما بعد عام 2015، ثم اعدت الامانة العامة لجامعة الدول العربية الاطار الاستراتيجي لخطة عمل اعلان القاهرة كاستراتيجية واضحة المعالم لتمكين المرأة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

هناك اهتماماً ملحوظاً توليه كافة الحكومات العربية والهيئات ومنظمات المجتمع المدني وذلك من خلال منح الجوائز للمرأة المتميزة اقليميا وعالمياً، كون الجائزة وسيلة للتحفيز حيث اسهمت الجوائز في تطوير قطاعات بعينها، واولى الوطن العربي اهتماماً ملحوظاً بالجوائز في الآونة الاخيرة وظهرت العديد من الجوائز المتخصصة في العديد من البلدان العربية كرمز يكرم بها المجتهدون في البحث والابتكار.

ومن اهم البرامج التي تمنح جوائز للمرأة المتميزة في مجال العلوم هو برنامج “لوريال – اليونسكو”  والذى انطلق عام 1998 ، وفى كل عام يسلط البرنامج الضوء على الامتياز العلمي من خلال الجوائز والمنح الدولية المشتركة بين اليونسكو ولوريال، وفى 2011 استحدثت اليونسكو منحة خاصة هي ” السير على خطى ماري كورى” والتي تعتبر المرأة الوحيدة الحاصلة على جائزة نوبل مرتين، حصلت عليها في الفيزياء عام 1903 وفى الكيمياء 1911.

ومنذ انطلاق جائزة لوريال – اليونسكو تم تكريم 64 باحثة علمية مرموقة من 30 بلد حققن اسهامات في مجال البحث العلمي. ففي عام 2017 تم تكريم سبع باحثات عربيات فائزات بزمالة برنامج لوريال –يونسكو من الاردن، العراق، لبنان، مصر، وسوريا. كما حازت العالمة اللبنانية- السعودية “نيفين خشاب” على جائزة لوريال اليونسكو للمرأة في العلوم عن الدول العربية والقارة الافريقية في عام 2017 وذلك لعملها الدؤوب والاكتشافات التي حققتها في ابحاثها في عالم الكيمياء العضوية وعلم تقنية النانو في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا في جدة. كما حصلت المغربية “هناء زباخ” على جائزة “من أجل النساء في مجال العلوم بالدول المغاربية 2017” عن مشروعها الذي يتعلق بالمواد الفعالة في مكافحة السرطان، وعلم الأدوية المضادة للالتهابات من الطحالب البحرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

في ما سبق ذكره من النماذج للمرأة العربية يؤكد أن هنالك تغيرات محدودة على صعيد رأس المال البشري في المنطقة العربية وأن جهود الحكومات العربية و مؤسسات الأعمال قد أدت إلى بعض النجاحات في بعض المجالات ومع ذلك مازالت التحديات في مجال النهوض بالابتكار وأنشطة البحث العلمي والتطوير التكنولوجي تواجه المرأة العربية.

ان النساء في الدول العربية غير ممثلات في مواقع قيادية في الجامعات ومراكز البحوث “مديرات الجامعات او مراكز البحوث”، فتوجد الكثير من العوائق الخاصة بالنساء وطبيعتهن التي تبعدهن عن مجال البحوث بالرغم من ان هنالك عدد كبير من النساء أحرزن تقدماً كبيراً في مجال العلوم الحية والصيدلة والاغذية. هذا يرجع الى الظروف المحيطة بالمرأة نفسها والتصاقها بأسرتها واهتمامها ببيتها وعدم مقدرتها على المخاطرة ودخول عالم المشاريع وريادة الاعمال وتفضل ان تظل في الجامعة التي تدرس بها او مؤسسات البحوث التي تنتمي اليها، اذن لا نستطيع ان نذكر ان السبب هو فقط سياسات الدول التي لا تدعم النساء ولكن هناك اسباب تتسبب بها النساء وظروفهن الشخصية. وهذا الا يختص به العالم العربي فقط ولكن جميع دول العالم، ولكن مع ذلك لا بد من الاعتراف بان هنالك حراك وتقدم محرز في ادماج النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟