السعودية والنخلة.. علاقة أزلية 

يكرمون بها ضيوفهم ويبنون منها البيوت

تيزار

عندما تتراءى لك شبه الجزيرة العربية، لأول مرة، وترى تلك النخيل السامقة في أرضها، ستعلم يقينًا بأنك لم تضل الطريق، فقد ضربت النخلة جذورها في أرض الدولة السعودية، واحتلت مكانة مرموقة استطاعت بها أن تكون جزءا أساسيًّا من الهوية والثقافة والتراث السعودي، وكذلك مصدرًا من مصادر الدخل بما تنتجه من تمور بأنواع مختلفة.
لم يقتصر عطاء النخلة على ثمرة التمر وسد رمق العيش فحسب، بل أمدت أجدادنا وآباءنا بسعفها وجريدها وجذوعها ليصنعوا كثيراً من المستلزمات الضرورية لمعيشتهم؛ كالمنسف والحصيرة والمهفة والسفرة والمبرد والزنابيل والسلال والقفف (جمع قفة) والأبواب والأقفال (المجرا) وغيرها كثير، تلك النخلة الفارعة الطول، الممتدة القامة، والمتجذرة في غياهب الأرض المعطاء والسخية.
والتمور هي ثمرة النخلة وسيدة السفرة ومصدر الضيافة الرئيس في البيت السعودي، إذ لا يكاد يخلو بيت في وسط الجزيرة أو شمالها أو شرقها أو جنوبها أو غربها من تمرة الكرم ورمز العطاء، ويبقى الاختلاف في الأنواع المنتجة، إذ إن نخلة الشمال تنتج نوعًا لا تنتجه نخلة الشرق، ونخلة الوسط تنتج ما لا تنتجه نخلة الغرب.. وهكذا، فالنخلة كريمة متنوعة العطايا أينما حلت تُعطينا من الثمر أطيبه.
في الدرعية (حاضرة الدولة السعودية الأولى ومبتدأ أمجادها المتوالية) تبهرنا النخلة بكرمها وسخائها وتعدد أنواعها، إذ نجد من التمور الخضري والمكفزي ونبتة سيف، وعندما نذهب شمال غرب الدرعية باتجاه القصيم نجد كرم نخيلها يساقط علينا أنواعًا من لذيذ ثمرها؛ كالرشودي والقطار المعروف بحلاوته ولذته، حيث ورد ذكره في إحدى قصائد أحد شعراء القرن الثاني عشر في وصف بديع:
مني سلام عد مأمور الامطار
من مزنة كنه شخانیب قارة
ألذ وأزين من مراطيب قطار
لا جابه الخراف وسط الغضارة
أما شرقًا، فتشرق لنا الأحساء بتاريخها الممتد وبمزارع نخيلها الوارفة وبتمورها الشهية، وأشهرها تمر الخلاص الذي أصبح رمزًا من رموزها إلى يومنا الحاضر، ثم نذهب شمالًا فتتراءى لنا الجوف بحلوتها التي تغنى بها الشعراء، وكتب عنها الرحالة، حيث تغنى بها أحد الشعراء قائلاً:
لي جالك اللي يشتهون التعاليل
من حلوة الجوف نقلط قدوعه
حلوة هل الجوف نماها هو الكي
يطرب نماها في عوالي فروعه
أحلى من الشهد المصفى محاليل
لا ذاقها الجيعان يضيع جوعه

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟