
محمد هاشم رشيد
من رواد العمل الثقافي في بلادنا ، ومن أعلام الرومانسية في الشعر السعودي، وأبرز شعراء المدينة المنورة في النصف الثاني من القرن العشرين، هذا هو التعريف الموجز بالشاعر المدني الكبير محمد هاشم رشيد، حيث ولد في المدينة المنورة عام 1349 وتوفي في المسجد النبوي الشريف في الثامن والعشرين من صفر عام 1423للهجرة، وتفصيلا هو أحد الثلاثة الذين قامت على أكتافهم أسرة أدبية فريدة عميقة الأثر مدنية الهوى عربية الهوية أصيلة التكوين، تلكم هي أسرة الوادي المبارك التي تأسست على يد شاعرنا رفقة حسن صيرفي ومحمد العامر الرميح، كما رأس بعد ذلك نادي المدينة المنورة الأدبي الممتد من الأسرة خلفًا للأديب الكبير عبدالعزيز الربيع، ثم هو شاعر رومانسي معدود في طليعة الشعراء السعوديين بإنتاجه الغزير وإخلاصه لمذهبه الأدبي، ولا يخفى على كل دارس متفحص أنه الشاعر المدني الأكثر حضورًا في المشهد الإبداعي والنقدي لأكثر من خمسين عامًا.
لم يكن شاعرنا مختلفا في كونه الشعري العام عن رفقائه شعراء أسرة الوادي المبارك، لكن رومانسيته أظهر في مجموع شعره، وهي رومانسية تقترب من (جماعة أبولو) وليس في ذلك ما يعيب لأن الآفاق الرومانسية متشابهة ليس في أدبنا العربي فقط ،بل في كل الآداب، يذكرنا شاعرنا أبولو في مثل قوله:
عصف الوجد بقلبينا فأغضى باسمًا تعبث بالرمل يداه
وترنحت وفي قلبي لظى أشعلتها بسناها.. مقلتاه
وارتمت روحي على أحضانه وتغنت بالأماني شفتاه
وبهمسٍ قلت في مسمعه وأنا أسبح في دنيا.. هواه …
يا حبيبي كنت بالأمس مع الحلم الندي أعبر الليل بنجواك، وقلبي في يدي
يتنزى ظامئ الأشواق كالطير الصدي حينما يطلب في الصحراء عذب المورد
غير أني عدت باللهفة.. أهفو للغدِ يائسًا من فرحة اللقيا، وصدق الموعد..
وربما ذكرنا محمد هاشم رشيد بأبي القاسم الشابي حين يقول:
أيا بركات السماء اصدحي بأنغامك العذبة.. الناعمة
فأجمل ما عانقته القلوب وغنت به الغابة الباسمة
صدى قطراتك فوق الغصون ووقع ترانيمك الحالمة
وأروع لحن بسمع الرعاة وقد أوغلوا في صميم الشعابْ
وحولهمو يتنزى القطيع وتمرح أسرابه في الهضابْ
أغانيك والشمس في خدرها توارت بعيدًا.. وراء السحابْ
ولكن شاعرنا رغم هذا المشترك العام يصنع رومانسية خاصة به. رومانسية لا تسقط في أوحال العدمية والقنوط، أو تتجاوز الثوابت المقدسة، وهو أمر بدهي لأديب كان تكوينه –كمجايليه –متأصل الجذور ثابت الأركان يستمد من الحرم الشريف والجوار الكريم طاقة تفاؤلية مؤمنة محبة للحياة:
رباه ها نحن جئنا بعد أن عصفت بنا النوى وتزودنا من الأملِ
وكل جارحةٍ فينا مكبرةٌ مأخوذة ٌ بجلال الموقف الجللِ
وقد وقفنا بظل البيت في ولهٍ والبيت بيتك.. فاصفح عن ذوي الزللِ
وامنن علينا بأن نحيا على سننٍ من الشريعة.. يردي كل ذي دخل ِ
ولعل الموضوع الأبرز في قصائد محمد هاشم رشيد هو المدينة بعقيقها وجبالها ونفحاتها القدسية الحالمة:
مدينة الحب والإيثار، يا حلمًا تهفو إليه الرؤى من سالف الأمدِ
مازلت في جبهة الدنيا منورةً والمكرمات يدٌ موصولةٌ بيدِ
حملت للكون رايات الهدى فغدت كالغيث من بلدٍ يفضي إلى بلدِ
حتى استنارت بك الظلماء، وائتلفت مناهج الحق، في قول ومعتقد
وشاعرنا حاضر مبرز في كل المواعيد الوطنية والاجتماعية:
بلادي الحبيبة.. يا بسمةً مرفرفةً.. فوق ثغر الزمنْ
ويا أملًا.. قد تحدى الردى ومزق عنه.. خيوط الكفن
ألا تسمعين الصدى المنطلقْ يردد في جنبات الأفقْ:
سلامًا.. سلامًا.. منار الكفاح؟
وهو وفيٌ لرموز الثقافة في بلادنا، صادق الثناء والرثاء، لنستمع إليه يرثى الأديب الكبير السيد عبيد مدني وكأنما يتحدث عن نفسه:
قد عشت فيها مدنيّ الهوى والشوق والقلب الوفي الأمينْ
متيمًا في حبها مغرما بكل كنز في ثراها مصونْ
فنم قرير العين في حضنها فقد أطل اليوم فجر اليقينْ
وآن أن تهدأ بعد السرى وينتشي الروح اللهيف الحزينْ
فأنت حيٌ رغم أنف الردى يا راحلًا في موكب الخالدينْ