وقف الشفاء

بقلم: عبدالمحسن البدراني

كما هي عادتهم، لا يمرّ يوم إلا ويسارع أهل المدينة للتسابق إلى الخيرات، وتقديم المبادرات والأعمال الإنسانية التي تعزز لأجمل معاني الإخاء والتواصل، وتكرّس لفضائل عاشت على أرض المدينة وفي قلب إنسانها.
ومع كل ما يحمله وقف الشفاء الصحي، الذي أطلقه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة، من أهداف يسعى لتأصيلها في خدمة المقيمين ممن هدّدهم المرض وأعياهم جلب الدواء، يبقى الانتصار للأخلاق أسمى معاني الوقف، بل أكثر أهدافه بروزا.
وقف الشفاء -في رأيي- وقف أخلاقي قبل أن يكون علاجيا، وبوابة إنسانية تضاف للرصيد الكبير الذي حازته المدينة المنورة عبر تاريخها، والمتمثل في كمّ الأوقاف والجمعيات التي تمد يد الدعم للإنسان دون سؤال عن جنسه ولونه وبأيّ لهجة يتكلم.
‎ وقف الشفاء الصحي لا تقف ثمراته عند تقديم العلاج للمقيمين ممن لا تشملهم خدمات الرعاية الصحية المجانية والتأمين الصحي فقط، بل يتحرك بقوة، وخلال عامين فقط، لجمع أصول تزيد على المائتي مليون لتصرف عائدات استثماراتها على مصارف الوقف.
‎نقاط استوقفتني في «الوقف الخيري»، لعل أبرزها إتاحته الفرصة كاملة للأفراد ومؤسسات القطاع الخاص للإسهام في تخفيف المعاناة عن المرضى المستهدفين، محفزا للمشاركة المجتمعية، ومحركا المسؤولية الاجتماعية لدى شركات القطاع الخاص كي تدعم بقوة برامج الاستثمار التنموي غير الربحي.
‎أبرم وقف الشفاء -مع انطلاقته- اتفاقيات تبين بجلاء منهجية أدائه، إذ حرك الكيانات الصحية بالمدينة -كبيرة وصغيرة- لتكون ذراعه القوى في تحقيق مستهدفاته.
تسع اتفاقيات تعاون بين الوقف وكيانات علاجية، تدعم منظومة العمل الصحي الخيري بالمنطقة، وتوفر الرعاية الصحية للمستفيدين.
هذه هي المدينة المنورة تواصل تاريخها الخيري، وترى المقيمين على أرضها جزءا من نسيجها الإنساني، وتستحدث المبادرات -علاجية وغيرها- لهم ومن أجلهم.
في تاريخ المدينة المنورة صفحات لا تزال بيضاء، يكتب فيها كل جيل أعمالا تعزز للإنسانية وتؤصل لجذور الكرم والعطاء.
وفي رأيي أن وقف الشفاء صفحة من الصفحات المشرقة التي تسجل فيها المدينة كلها -أفرادا وجمعيات ومؤسسات- سطور عطاء لا يمكن نسيانها مهما مرت السنوات.
شكرا أمير المدينة.. شكرا لكل جمعية ومؤسسة وكيان صحي.. شكرا لكل فرد يتسابق اليوم لخدمة أخيه الإنسان.. شكرا لمدينة النور والكرم والعطاء، وكم أتمنى -بحق- أن تعمم فكرة الوقف، وأن تكون له فروع ومناشط في كافة المناطق بلا استثناء.