ابحثوا عن المتعففين أولا ثم فطروا الصائمين

في رمضان (شهر الرحمة)، ننفق الملايين من أجل إفطار صائم، وتتسابق الجمعيات الخيرية -على اختلاف أسمائها- إلى إفطار صائم، وتحمل أيادي الموسرين دعما وتبرعا إلى ساحات الحرمين وساحات وباحات آلاف المساجد من أجل إفطار صائم، ولكن!!! من هو الصائم الأكثر استحقاقا لكل هذا الجهد؟، ومن الصائم الذي نحمل له الإفطار في ساحات الحرم والساحات الأخرى؟

كان الحرمان وسائر المساجد- قديما- هي ملجأ الفقراء والمساكين والمسافرين وعابري السبيل
وكان الناس يسعون لتفطيرهم
والحرص على هذه الفضيلة
بل وتؤخذ من باب الكرم أيضا
وليس لبعدها الديني فقط
وكان ينظر إليها كواجب تجاه
زوار الحرمين، وأصبحت عادة
حميدة وواجبا لمن يستحق
ولكن!! ما هي الآن، وما وضعها؟
هذا هو الأمر الذي نحتاج إعادة التفكير فيه ومناقشة جدواه.

آلاف الوجبات يوميا بملايين الريالات تفرش بين الأذان والإقامة
لمدة 10 دقائق فقط، الفائض منها مفزع، والمهدر مؤلم.
وكأننا من أجل تفطير صائم قد لا يكون ذا حاجة أصبحنا نرتكب ذنوبا

لماذا لا نعيد النقاش في هذه المسألة التي
تستنزف -خلاف الأموال- الكثير من الجهود المكلفة أيضا؟
لماذا لا نبحث عن المحتاج الحقيقي، ونطعم الفقراء والمساكين المستحقين فعلا؟
فنحن -للأسف- لا نبحث عن محتاج، بل نقدم -في الأغلب- الإفطار لمن لا يحتاج، ونتخيل أننا قد قمنا بما يجب، وقدمنا عملا عظيما في الشهر الفضيل.

نستنفر الجهود قبل رمضان بشهور، نجمع الأموال ونحرك رحمات القلوب؛ لنكسب أجر الإفطار في الشهر الفضيل، ولكننا لا ننشط بنفس الحماس لنبحث عن المستحق «المتعفف» والأحق بما نجمع، ولا نلتفت إلى مكانه -جارا كان أو قريبا تأبى نفسه أن يناديك لتعطيه.

ليست الأزمة في صمت الأسر المتعففة، والخجل الذي يعتري بعضها بسبب عجزها حتى عن دفع فاتورة كهرباء، أو شراء جهاز تكييف، أو شراء كسوة صيف أو شتاء، بل الأزمة فينا ونحن ندير ظهرنا لكل أولئك، ونتسابق لننفق بسخاء على سفر «إفطار صائم»، ربما يملك بعض من يحضرها من المال ما لا نملكه نحن، وربما تكون أرصدته البنكية أعلى من رصيد جمعية خيرية.

أنا لست ضد تفطير الصائمين، ولكن مع الأولويات في كل شيء، وأؤمن بأن المتعففين في بيوتهم الذين تمنعهم عزة النفس من الوقوف على أبواب الموسرين أحق، ويصبح دورنا الأهم البحث عن هؤلاء وطرق أبوابهم المغلقة لنفك -بما نملك من مال وخيرية- عقدا أنهكت عظم البيوت وأوجعت سكانها.

لن يأتي المتعفف إليك ليسألك، بل واجبك أنت أن تسأل عنه، وفي اعتقادي أن سعيك إلى مكانه والبحث عنه ومساعدته في الشهر الفضيل -وغيره من الشهور- هو الأكثر إلحاحا والأعظم أجرا.

جميل أن تكون هناك جمعيات ترعى الأيتام والمرضى، وأخرى تدعم حفظة القرآن، وغير ذلك من الأنشطة الخيرية الأخرى، فهذه الجمعيات تقوم بدورها الواضح والمعلوم، ولكن!! ماذا عن جمعيات المنتظر منها أن ترعى الفقراء والمساكين، ولكنها تلخّص دورها في حمل الموائد لإفطار من ليسوا بحاجته.

التسابق وراء «إفطار الصائمين» في ساحات الحرم تسابق محمود وفضيلة ينبغي اغتنامها، ولكن!! وأكرر «الأولويات ثم الأولويات»، فالمتعففون كثير، والمستحقون للعطاء أكثر.

ما أكتبه لا يعني إنكارا لإحدى فضائل الشهر المتمثلة في إفطار صائم، بل تأصيل لمنهج الأولى فالأولى..

ليتنا نستوعب أن ما كان صحيحا
بالأمس قد لا يكون صحيحا فعله اليوم
ولو وفرت هذه الملايين، وحولت
إلى أيادي المحتاجين الحقيقيين والمتعففين
لكان ذلك أفضل وأجدى نفعا من أن تذهب إلى الحاويات، أو إلى
بطون غير محتاجة تعودت على أن تمتلئ بلقمة المحتاج الحقيقي.

جلنا -إن لم يكن كلنا- نعرف أن هناك من يترك مائدة بيته الفاخرة، ويذهب ليتبارك بحضور سفر إفطار صائم ضلت طريقها الصحيح، ونعرف أيضا أن هناك أسرا تحمل تلك السفر إلى الساحات متجاوزة جيرانا لها متعففين قد لا يجدون التمر والماء، ونعرف أن هناك من يذهب إلى تلك السفر للتوفير.

فلا نغالط أنفسنا، ولا نعصب أعيننا، ونتمترس خلف الخيرية لتبرير ما نفعل.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟