المرأة والتأسيس

تيزار

كما كان هناك بعض الأمثلة للعادات والتقاليد الاجتماعية لدى المرأة في الدرعية، فقد كان للمرأة دور اجتماعي بارز في تحمل الكثير من أعباء الحياة، وقد اهتمت الدولة السعودية الأولى بدعم المرأة، فقد كان الإمام عبدالعزيز بن محمد يحرص على أن تُرفع إليه حوائج النساء، وبخاصة الأرامل، فإذا اشتد الغلاء يخصص لهن من الأرزاق ما يسد حاجتهن ويكفيهن، وكان إذا مات الرجل جاء أبناؤه إلى الإمام عبدالعزيز، فيعطيهم عطاء جزيلا، وأحيانا يكتب لهم مخصصًا ماليًّا يصرف لهم باستمرار.

الشجاعة

رُبيت المرأة في الدرعية وربت أبناءها على الشجاعة، فهي مصدر فخر واعتزاز بالنسبة لها، فالمصادر التاريخية تشير إلى أن المرأة كانت تشارك الرجل -أحيانًا- وتنافسه في إجارة الخائف، ويسمي ذلك العرف في نجد بـ«الدخالة»، حيث تقوم المرأة بحماية الدخيل، سواء دخل عليها في بيتها أو في مرعاها.

غالية البقمية:

ومن النساء اللائي سجلن دورًا بطوليًّا في مجتمع الدولة السعودية الأولى، تلك المرأة التي كان لها دوز بارز في تلك الحقبة، وهي غالية بنت عبدالرحمن، من قبيلة البقوم التي تقطن في تربة، وهي من بادية ما بين الحجاز ونجد، إذ ذكر جوهان لودفيج بوركهارت في مذكراته أنها كانت أرملة لرجل كان من زعماء قبيلة البقوم، ومن المرجح أن يكون ميلادها في الربع الأخير من القرن الثاني عشر الهجري (الربع الأخير من القرن الثامن عشر الميلادي)، وأشار بوركهارت إلى أنها سيدة معروفة بسداد الرأي والمعرفة الدقيقة بأمور الحرب وشؤون البادية التي تحيط بها.
كانت غالية البقمية من مناصري الدولة السعودية الأولى ومؤيديها، وقد سخرت ثروتها وأملاكها لخدمة المدافعين عن الوطن والتصدي لحملات الدولة العثمانية المعتدية، كما عرفت أيضًا بالكرم، وكان بيتها مقصدًا للمحتاجين والفقراء، وملجأ لرجالات الدولة السعودية الأولى المخلصين.
وما إن نجحت الدولة السعودية الأولى في دخول غرب الجزيرة العربية تحت لوائها، حتى أرسلت الدولة العثمانية المعتدية عدة حملات عام ١٢٢٦ھ (۱۸۱۱م)، وعام ۱۲۲۸ھ (۱۸۱۳م)، استطاعت قبائل المنطقة وزعماؤها وأعيانها التصدي لها، وكان لغالية دور في دعم تلك الجهود.

خان جليلة:

ومن أبرز العادات والتقاليد لدى المرأة الكرم، ومن أبرز الأمثلة للنساء اللاتي اشتهرن بكرمهن وإيوائهن لعابري السبيل جليلة بنت الأمير عبدالمحسن بن سعيد الدرعي، حيث أقامت استراحات وخانات للحجاج المارين بحجر اليمامة؛ ليرتاحوا بها مؤقتًا من عناء السفر، ويتزودوا من الطعام والشراب، ولم تكتف جليلة بأن أمضت عمرها في إكرام العابرين والمارين باليمامة؛ بل أرادت أن يبقى أثرها إلى ما بعد وفاتها، فجعلت تلك الخانات التي أنشأتها وقفاً لله -عز وجل- في عام 960ھ (1561م)، وقد عرف هذا الوقف باسم (خان جليلة)، إلا أنه حرف اسمه عبر الزمن إلى (خان شليلة)، ثم (خنشليلة) حاليًّا، وهي المنطقة الواقعة شرق منفوحة.

الأطعمة في الدرعية

تعد نساء الدرعية الأطعمة، باعتبار ذلك من واجباتهن تجاه الزوج والأسرة، ومن المأكولات الأساسية في نجد والدرعية ما يلي:
– الحنطة: وهي طعامهم الرئيسي، حيث تجرش أو تطحن، ثم تطبخ كالأرز، وقد تدهن بالدهن. والثريد ويكون مصنوعا من الخبز، ويضاف إليه اللحم أو السمن أو غيره، وقد ذكر الريكي أن الإمام عبدالعزيز بن محمد كان يفضل أكله.
– الجريشة: وهي أكله شعبية تعد عن طريق طحن حبوب الحنطة أو القمح بأداة مصنوعة من الأحجار، تشبه الرحي تسمى المجراشة: وهي نفس الرحي، ولكن تكون أخف منها، حيث تقوم بتكسيره وجرشه فقط.
– الأرز: وقد كان يفضله الإمام سعود بن عبدالعزيز أكثر من الحنطة، حيث كان طعامه وطعام أبنائه، وقد أحضر طهاة له في بيته من الأحساء والقطيف يعدون له أنواعا أخرى من الأطعمة؛ مثل: اللحوم المقلية، والطيور المحشية، والحلويات الخبيصية بالسكر والبلوج.
والخبز والعصيدة واللحم بأنواعه من أهم الأطعمة في نجد عامة، سواء كان مسلوقًا أو مشويًّا أو مطبوخًا. وكذلك يقمن بإعداد السمن واللبن والتمر، وبعض البهارات المختلفة مثل الفلفل، إذ يقمن بتيبيسه ثم طحنه وخلطه مع الليمون الجاف، ومن ثم استخدامه لإضفاء نكهة على بعض المأكولات. ومن التقاليد المتعارف عليها في نجد أن المرأة لا تأكل مع الرجال حتى يفرغوا من الأكل، وعادة يشاركهن الفتيات والصبيان الذين لم يبلغوا بعد.

الأزياء

تُستخدم في الدرعية المنسوجات القطنية لصنع ملابس الأهالي، حيث كانت الصناعات اليدوية في مراحلها البدائية، فكانت نساء الدرعية يلبسن عادة نوعين من الثياب: الأول ثوب أو قميص يسمى الكرباس، وهو مصنوع من القطن، ويفضلن اللونين الأخضر والأسود، ويجلب لهن من نواحي الأحساء والقطيف والبحرين وجوانب اليمن، والثاني ثوب مصنوع من الحرير عالي الجودة بألوان متعددة، وقد ذكر الريكي في كتابه (لمع الشهاب) أن الإمام عبدالعزيز بن محمد كان يلبس زوجاته الكرياس الأسود، كما كن يلبسن أيضا الخز الأحمر الذي يجلب لهن من أطراف حلب وبغداد.
كذلك من الأزياء لدى نساء الدرعية ونجد العباءة القيلانية، وتلبس عادة عند الخروج أو عند الضيافة، وهي تصنع بنسبة محدودة في الدرعية والأحساء، ولكنها في الغالب تجلب من العراق، كما يلبسن الحرير الهندي الملون الذي تبلغ قيمته أحيانًا عشرين ريالا.
وقد لبست زوجات الإمام سعود بن عبدالعزيز الحرير الهندي المذهب بجميع ألوانه، ففي فصل الشتاء يلبسن البز، وهو من أجود أنواع الحرير الذي يجلب من الشام، وفي فصل الصيف لهن لبسهن المناسب. وتتزين نساء نجد -في الغالب- بالحلي المرصعة بالجواهر النفيسة؛ مثل اللؤلؤ والياقوت والفيروز، فقد كانت حلي زوجات الإمام عبدالله بن سعود الجواهر من الياقوت واللؤلؤ، ونادرًا ما يتزين بالذهب، وقد تلبس النساء الخلاخل في أقدامهن. ومن زينة النساء أيضًا الكحل والحناء، حيث تصبغ به الأظافر وقبضة اليد، وترفع شعورهن بالضفائر المزينة باللؤلؤ والجواهر، ويتطيبن بعطر مصنوع من المسك والعنبر.

المرأة والثقافة

لقد تهيأت للدرعية -بصفتها عاصمة الدولة- عوامل جذب سياسية وعلمية واقتصادية وغيرها ساهمت في زيادة عدد سكانها، وقد كان الجانب العلمي من أكثر جوانب الجذب فيها، مما أسهم بوجود تعليم تثقيفي مبني على التلقين -إن صح التعبير- في الدرعية.
وأشارت بعض المصادر والمراجع إلى تعليم المرأة في الدرعية، مبينة حرص أئمة الدولة السعودية الأولى على تثقيفهن وتعليمهن أصول الدين، إذ قام الإمام محمد بن سعود ببناء مسجد كبير في الدرعية تلقى فيه دروس على الرجال والنساء صباحًا ومساء. وقد واصل أئمة الدولة بعد الإمام محمد بن سعود تثقيف العامة، خصوصاً النساء، حيث بنى الإمام عبدالعزيز حول مسجد البجيري مجمعًا جعل فيه قسمًا للنساء يلقي فيه الفقهاء دروس العلم والمعرفة. فهناك من نساء الدرعية من تعلمن القراءة والكتابة، ونبغن في العلم، وأتقن الخط.

المرأة والشعر

عاصرت المرأة -في تلك الحقبة- تغيرات سياسية واجتماعية حاسمة حركت مشاعر الشاعرات، فشاركن بالبيان الرجال الذين يخوضون الحروب بالسنان، ولعل من أبرز الشاعرات اللاتي حفظت لهن قصائد حماس وفخر بالغزاة والفرسان الشاعرة موضي بنت سعد بن عبدالله الدهلاوي، التي أسهمت بشعرها الحماسي في تحفيز وحث المدافعين للصمود أمام القوات العثمانية المعتدية في حصار الرس، وقد قالت تلك القصيدة:
هيه يا راكب حمرا ظهيره
تزعج الكور نابية السنام
سر وملفاك للعوجا مسيره
ديرة الشيخ بلغه السلام
ياهل الحزم يا نعم الذخيره
ان لقاكم من الباشه علام
ادعوا الله ولا تدعون غيره
واعرفوا ما من الميتة سلام
عند سوره نخلي كالمطيره
لي تحالي الردي حلو المنام
في يدينا السيوف اللي شطيره
تنزع الروس وتقص العظام
والفرنجي سريعات الذخيره
تلفظه مثل سيقان النعام

المرأة والاقتصاد

تبلور الوضع الاقتصادي للمرأة في الدرعية على سد الحوائج وتوفير الضروريات، على الرغم من وجود بعض الصناعات والمهن الرجالية والمنتجات الزراعية التي أسهمت في ازدهار التجارة والاقتصاد محليًّا وخارجيًّا؛ مثل صناعة البنادق وبعض الأسلحة المحلاة بالذهب والفضة، وبيع التمور والألبان والصناعات الحرفية والجلدية، وبعض المنسوجات القطنية والصوفية والملابس. وقد كان السوق في الدرعية «سوق الموسم» عبارة عن دكاكين أو مباسط صغيرة، وقد أشار ابن بشر في كتابه (عنوان المجد في تاريخ نجد) إلى ازدهار التجارة والبيع والشراء في الدرعية في عهد الإمام سعود بن عبد…

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟