كورونا .. ممن تنتقم ولمن تنتصر؟

 قراءة : أمنية زاهد

على صعيد الإصابة والموت خطفت منا كورونا أحباء كثيرين وأدمت عيونا على فراق الأهل والرفقة ومع كل ما خلفه الوباء من مآس دامية إلا انه سجّل على صعيد الحياة أرقاما نادرة حيث انتصر للبيئة وتمكّن من انتشالها من بين أنياب الأنسان – أكبر عدو لها – وعلمنا سلوكيات كم نتمنى أن تدوم .. انتصر الوباء للطبيعة التي أهانها التلوث وعادت الحيوانات التي ظلت عمرها حبيسة جحور الخوف تتجول بالشوارع والشواطئ بأمان وحرية.

البيئة والمناخ عادا نظيفين بأمر فيروس لا يُرى حتى بالعين المجردة فيما عشنا ننادى بل نصرخ لعقود من تداعيات العشوائية التي سرقت منا الهواء النقى – الحق الرخيص للإنسان في الحياة..  حديث المدينة تقرأ الصعيدين المتناقضين اللذين أحدثهما كورونا .. صعيد ينهي حياة  الأنسان وصعيد يعيد للبيئة الحياة

انحسار الجائحة

مازالت الجائحة تنتشر برغم انحسارها في بعض أجزاء العالم، ومازالت اثارها تظهر يوماً بعد الآخر وتجتاح العناوين، حتى وصلت إلى نسب التلوث واقتصاد العالم وأسعار البترول، فتسببت الجائحة بانخفاض تاريخي في أسعار النفط إلى ما دون الصفر للمرة الأولى بسبب توافق بعض الظروف بطريقة نادرة الحصول، أبرز تلك الظروف هو انخفاض نسبة الاستهلاك فيما بقيت نسب الإنتاج ثابته على ماهي عليه، فبعد قرار الحكومات حول العالم بإغلاق المدن والبقاء في المنازل، وبالتزام سكان هذا الكوكب بالتعليمات انخفض استهلاك النفط مسجلاً انخفاضاً تاريخياً قد يؤثر على عدة جوانب؛ أبرزها التغير المناخي!

الشهور الأولى

سجلت مناطق مختلفة في العالم بداية من الصين انخفاضاً ملحوظاً في معدل ثاني أكسيد الكربون وغازات أخرى تسبب تلوث الهواء والتي تعد السبب الأول في الاحتباس الحراري، كما سُجل انخفاضاً في تلوث الماء، وقد تم رصد السماء بأصفى أحوالها في الأيام الأخيرة.

في أولى الشهور من إنتشار كورونا نشر موقع carbon brief تقريراً وضح فيه أن نسبة التلوث في الصين انخفضت بنسبة 25% خلال أربعة أسابيع فقط، فيما بلغت نسبة إنخفاض إنبعاثات الكربون 18% بداية فبراير إلى نصف مارس الماضي مما يعني إنخفاض معدل ثاني أكسيد الكربون في الهواء بما يعادل 250 مليون طن متري والذي يقابل نصف معدل الإنبعاثات في المملكة المتحدة، ومع كل يوم انتشار للفايروس يزداد معدل الإنخفاض بعلاقة طردية مع انحسار استخدام وسائل المواصلات والنشاط الصناعي الذي يؤدي بدوره إلى تقليل الانبعاثات الضارة، كما سجلت نيويورك انخفاضاً بنسبة تتراوح من 10-20%.

يومنا الحاضر

بعد انخفاض استهلاك وسائل المواصلات وانخفاض الأنشطة الصناعية لم تعد نسب استهلاك الوقود كالسابق، تسبب انخفاضها بانخفاض أسعار النفط، لكن قد تبدو الأمور مختلطة بين جيدة وسيئة بالنسبة للتغير المناخي والبيئة، فقلة الإستهلاك تعني انخفاض انبعاثات الكربون الضارة في الوقت الحالي، وقد تم تسجيل اكبر انخفاض للإنبعاثات خلال الجائحة، الا أن المخاوف تصاعدت في الأجواء حول استمرارية الانخفاض بهذا المعدل أو على الأقل الحفاظ عليه خلال هذه السنة فنحن مازلنا في الربع الأول من 2020، وعلى صعيد النفط فعلى مر السنين عرف أن انخفاض الأسعار يعني إستهلاكاً أكثر، ومن هذا المعرف قالتLoren stockman-محلل أبحاث أول في  منظمة OCI-: “من الصعب جداً تجنب النفط في وضعه هذا، خصوصاً في حالة عدم وجود سياسات صلبة للتغير المناخي”، مما يدعم المخاوف المتصاعدة.

مابعد الجائحة

وضح الخبراء أن خوفهم الحقيقي يتمثل فيما بعد الجائحة، حيث أعزو مخاوفهم إلى أن الناس إن عادوا إلى نشاطاتهم بنفس معدل ماقبل كورونا قد يسبب هذا عودة نسب التلوث إلى ماكانت عليه؛ بل وقد تزداد، مدير الأبحاث Glen Petersبمركز أبحاث المناخ والبيئة الدولي CICERO وضح بأن جميع ما تم رصده يعتبر أثراً قصير المدى ينتهي بمجرد إنتهاء أزمة كورونا، وأن السؤال الأهم يتمحور حول الأثر طويل المدى حيث أن المجتمعات ستعود إلى نشاطاتها لكن ليس كما عهدنا في السابق، ففي أسوأ الأحوال سيبقى الناس حذرين مما قد يدفعهم إلى تجنب أي مخاطرة بصحتهم لفترة جيدة من الزمن، ستنتهي أزمة كورونا وسنرى بعدها حجم الاستياء من الإغلاق الكامل للمدن ينعكس على تصرفات الأشخاص فور خروجهم، “أتمنى حينها أن يوافقني الجميع بأن الإغلاق الكامل ليس الحل الأمثل للتقليل من الإنبعاثات وأن الأمر يعتمد كلياً على السلوكيات المتبعة على مستوى الفرد والتي تشكل بدورها أثراً كبيراً في التغيير المناخي”.

قد تبدو سلوكياتنا معتادة الا أنه وبعد ما تم رصده خلال الجائحة علينا إعادة التفكير في تلك السلوكيات، وقد تبدأ بالتساؤل: “هل يتمثل الخطر الحقيقي فينا ومنا؟”، وضعت كورونا العالم أمام حقائق لا يمكن تجاهلها، قد يكون اللقاح علاجاً للفيروس لكن اللقاح وتغيير السلوكيات قد يكون علاجاً للبيئة .

اظهر المزيد

‫5 تعليقات

  1. جميل جدًا أمنية أتفق جدًا التغير الجوهري والمهم والأهم هو سلوك الفرد ..
    الله ينقذنا بكورونا ليس فقط بتنفس هذا الكوكب من جديد بل بتنفس كل فرد منا بطريقة لم نعهدها بطريقة أكثر أخلاقًا وأكثر عمقًا ، لا أعتقد هذه الأزمة عند زوالها ستكن مجرد عابر أكاد أجزم لها وقع خاص في قلب كل كائن سواء سلبي أو إيجابي وعساه إيجابي

  2. جميل جداً أمنية : وهل نحن نتفكرُ بهذا العمق وبهذا التدرج لكي نفهم هذه المعادلة البسيطة تجاه أنفسنا وبيئتنا وحياتنا ووطننا! ما زال الناس في عدم فهم الأمور من الواقعة الحقيقية الأصيلة ، فقط يروا ما يريهم جهلهم وخوفهم ورعبهم في تلك البيئة…
    هذه الجائحة مثلما أتت…ستذهب، ولكن سرعان غيابها هي بمحور عقولنا أمام ما هو واقع .

    شكراً لكِ : كتابة جميلة متعمقة بما يحصل وبما يجب أن يفعل.
    ننتظر المزيد نحو التعجبات الجميلة والبسيطة!

  3. موضوع إنساني باقتدار صور واقعنا مع الجائحة التي نسأل الله أن يرفعها عنا حيث بسببها فقدنا اعزة علينا قضاء وقدر وفي الجانب الآخر من الموضوغ تفاؤل بانحسار الوباء فقد ابدعت محررة الموضوع امنية في طرحها شكرا للجميع

  4. الله يرفع عننا وعن جميع المسلمين الوباء ويبعد عننا كل شر ومكروه ويسود الامن والامان ويوحد جميع صفوف المسلمين يارب العالمين

  5. اللهم اكشف الغمة عن هذه الامة يارب
    واحفظ الأمن والأمان في بلادنا واصرف عنا وعن المسلمين الوباء وتنحسر هذه الجائحة في القريب العاجل ان شاء الله
    التفاؤل والتكاتف يساعد الانسان على تخطي الازمة
    شكراً لكم حديث المدينة ولمبدعتكم امنية ✨

زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟