خلك حجازي!

(خلك شمالي عند زلة قرايبك     وعلى الحقوق اليا نصنك حجازي)

بيت شعر ومطلع قصيدة لـ (داهية الشعر) عبد الله بن زويبن-يرحمه الله- قاله وهو يدرك المعنى الحقيقي لنبل الأخلاق، وقيم (المرجلة) الحقيقية لا المزيفة!

بيت قادني لأكتب عن مقولة (خلك شمالي) التي تحولت إلى مسلّمة ترمز لسعة الصدر وعدم الاستعجال

ما معنى خللك شمالي؟

الكثير فهم المعنى المقصود وهو التماس الأعذار والتروي و (دمح) الخطأ و (طول البال)، ولكن لماذا نسبة هذه الخاصية إلى (الشمالي) دون غيره؟

قالوا إن سكان شمال الجزيرة العربية يتمتعون بسعة الصدر وطول البال، وأرجأوا ذلك لمدى تأثير البيئة والتضاريس الأرضية على نفوس ساكنيها، وهو تفسير فلسفي ربما يكون حقيقة نظرًا لتأثر النفوس بما يحيط بها من بيئة ونظام حياة وما إلى ذلك، وفي الوقت ذاته قد يكون تبريرًا فقط لغرض التبرير وما أكثر المبررين والمنظرين!

حتى أصبحت قاعدة يوصف بها من يتحلى بسعة البال والتروي في ردة الفعل، وهذا أمر إيجابي ويمدح عليه الرجال، لكن هل هي قاعدة عامة أم هي أمر نسبي يتفاوت فيه الناس؟ بمعنى آخر هل يمكننا القول انطلاقًا من هذه (القاعدة) إنه في حال التضاريس السهلة والمنفتحة والبعيدة عن الوعورة والصخور والجبال الشاهقات المتقاربات المتواليات والأودية العميقة الضيقة يكون سكانها على طبائع عكس الشماليين، أي ذوي طبع حاد وردة فعل سريعة وضيقة صدر؟!

أظن الأمر نسبيًا، فكم قرأنا عن رجال الحلم والرويّة في أماكن متفاوتة التضاريس من وقت العرب القديم حتى وقتنا هذا.

وفي هذا المقام يتبادر للذهن (الأحنف بن قيس) الذي قال إنه تعلم الحلم من (قيس بن عاصم التميمي) وهما يتنقلان ما بين البصرة والكوفة وخرسان، و(معن بن زائدة) وهو من بني شيبانوقبلهم (الأشج بن عبد القيس) وهو من أهل البحرين، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” يا أبا المنذر إن فيك خصلتين يرضاهما الله ورسوله الحلم والأناة ” فقال: يا رسول الله، أ شيء جبلني الله عليه أم شيء اخترعته من قبل نفسي؟ قال: ” بل شيء جبلك الله عليه “، قال: الحمد لله الذي جبلني على خلق يرضاه الله ورسوله.

و(معاوية بن أبي سفيان) و(الحسن بن علي بن أبي طالب) وهما من مكة والمدينة(الحجاز).

والقائمة تطول حول ذكر من أشتهر بالحلم من العرب قديمًا، أما حديثًا فقصص الحلم والتسامح كثيرة تروى في المجالس عند حلول المناسبة.

وبالعودة لمقولة (خلك شمالي) مقولة شائعة الصيت تسند لقصة (باختصار)قيل أن رجلاً كان يسير ومعه ابناه الصغيران قد ربطهما بطرفي شداد ناقته فقصد بئرًا ليرتوي من مائها فوجدها عميقة جدًا فقذف حجرًا ليقيس عمقها فثارت أسراب الحمام من داخل البئر بكثرة مفزعة ففزعت الناقة و هاجت وهربت ولحق بها فلم يتمكن منها وحين ابتعد عن أهله خشي عليهم فعاد فوجد عبده مقتولاً ومواشيه مسلوبة وزوجته جريحة نتيجة هجوم وقع عليهم، فحمل زوجته التي شارفت على الهلاك وارتحل حتى نزل بقوم فاستقبلوه وأعانوه وعالجوا المرأة، وأخبرهم خبره،فتعجبوا من صبره وجلده بعد فقد ابنيه ومقتل عبده وسرقة مواشيه و جراحات زوجته وصار يضرب به المثل.!

وسرى هذا المثل يضرب لكل من ينهج نهج الصبر والأناة والتروي وأيضًا للنصح والإرشاد لمن يُستفز بأن لا يأخذه غضبه لتصرف قد لا تحمد عقباه.

أما نسبة التسرع إلى (حجازي) بقصد ردة الفعل المستعجلة فهي أيضًا نسبية ولا يمكن أن تكون حالة عامة، فكما في الشمال مستعجلين وذوي تروي، ففي الحجاز كذلك، لكنه ربما اصطلاح لانطباع حصل في مواقف معينه ومقارنات تُروى عن الحلم والتأني فيضرب مثلاً بالشمالي، فيذكر الموقف المعاكس وينسب للحجازي، فرددها الناس وكأنها ثابتة من الثوابت الاجتماعية، وهذا فيه اجحاف كبير.!

فنسبة الاستعجال للحجازي أمر مقيد لا مطلق أي التعجل المحمود الذي لا ينبغي التريث فيه بل المبادرة أولى في مناحي مكارم 

    (لو كل كلمة إلى جتنا طردناها     بعنا الثمينة بسعر ما يخارجها) *عبد الله بن زويبن

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
تحتاج مساعدة؟