
الشاعر عمر بن إبراهيم بري
عُرِف بقرض الشعر مع التسليم بأنه أحد أبرز علماء الحرم الشريف إذ كانت حوله دائماً طاقة من طلبة العلم الذين يحبونه أشد الحب ويذيعون أقواله وقصائده وشواهده الشعرية، ولم يكن شاذاً في أسرة آل البري وجود عالم من بينهم، فهم من أكابر الأسر العلمية العريقة في المدينة المنورة، فكتب التاريخ تحدثنا عن عدد كبير من رجالات هذه الأسرة، الذين أقبلوا على مدارسة العلم وتدريسه بالمسجد النبوي الشريف، مما جعل الكثيرين منهم يتولون المناصب العلمية والوظيفية بالمدينة، كالإمامة والقضاء والإفتاء وغيرها، ولعل الشيخ عمر البري يعدّ آخر من اشتهر من علماء هذه الأسرة، وظلت سيرته محل السمر والمذاكرة عند تلاميذه الذين أصبحوا شيوخاً في العلم والأدب، ومن أشهرهم العالم الجليل/حمزة قاسم، صاحب (منار القاري شرح مختصر البخاري) والشاعر الكبير الأستاذ/ محمد هاشم رشيد رئيس نادي المدينة المنورة الأدبي سابقاً عليهما رحمة الله.
أما عن شعره فالمجموع منه بين القليل والكثير، وتغلب عليه أساليب الفقهاء في ظهورالبعد الموضوعي في القصيدة على حساب الخلق والإبداع إلا في مواطن تخلق فيها روح الشاعر.. وهو كسواه من أهل الفقه والعلم واللغة قيمة شعرهم موضوعياً أكثر منها أسلوبياً.
لشاعرنا البري ديوان واحد باسم (ديوان عمر إبراهيم بري) حققه الدكتور/محمد الخطراوي رحمه الله، وقدّم له بمقدمة ضافية عن الشاعر وأسرته والوضع التاريخي العلمي والسياسي والاجتماعي إبان ولادة الشاعر، حيث ولد في المدينة المنورة سنة 1309هـ، وتوفي سنة 1338هـ، ومعنى هذا أنه شاعر مخضرم بين ثلاثة عهود تعاقبت على حكم الحجاز هي: آخر العهد العثماني الذي انتهى بسنة 1334هـ، وكل العهد الهاشمي الذي انتهى في المدينة المنورة بـ 19 جمادى الأولى سنة 1344هـ والعهد السعودي الذي امتدت به الحياة فيه 34 عاماً.
وفي قصيدة له متوسطة اجتمعت فيها روح الشاعر وأهداف العالم مفضلاً فيها الوحدة مع الكتب والطاعة على ما سواها من شؤون الدنيا يقول فيها:
لئن أمسيت منفرداً وحيداً ماله ثان
سأسترفد آدابي فهي من خير أعواني
وأغدو ثانيَ الكتـ ـب أنيسان صفيان
طوال الليل تسعدني أراعيها وترعاني
تحدّث بالذي أهوى وما يطرد أحزاني
تشكّي لي سرائرها وأرفدها بكتماني
تحكّمني على رأيي فكتبي هي سلطاني
فطورا أنا في لهو وطورا وسط بستان
وطورا في مسافات أروح كمثل نشوان
وطورا أقطع الدنيا أراها بين أعياني
***
لذلك لا أجدّ الدهــ ـر في صحبة إنسان
سوى كتبي وآدابي ما دام الجديدان
أبرز ما يتميز به شعر الفقهاء وأهل اللغة أن فيه كثيراً من حوادث التاريخ وذكر الفضائل والحث عليها وكثير من المدح والتهنئة في المناسبات، بل إن شاعرنا في بعض أشعاره يذكر تاريخ الواقعة بحساب الجمل في آخر البيت على سنن أهل الأنظام العلمية، كقوله حين بدأ في الجلاء عن المدينة، وهو بالشام سنة 1337هـ:
يا معشر الإسلام ها كُمْ عبرة أضحت مبينة
وتمعنوا درر الحديـــ ـث لأنها درر ثمينة
أو ما تروا بالذل عيـ ـن الترك قد أضحت سخينة
ولمحوهم أرّخ: (جزاً لشقائهم آذوا المدينة)
1337هـ
مع أن شاعرنا – كما أسلفنا – من العلماء والحفظة من أهل المتون العلمية، غير أنه في كثير من شعره يقع بين آخر النظم وأول الشعر خلافاً لأهل المتون الذين لا يغادرون النظم مهما بذلوا من جهد، وقد اعتذر لهم ابن خلدون بقوله:(وما ذلك إلا لما يسبق إلى محفوظهم ويمتلئ به من القوانين العلمية والعبارات الفقهية الخارجة عن أسلوب البلاغة والنازلة عن الطبقة، لأن العبارات عن القوانين والعلوم لا حظ بها في البلاغة، فإذا سبق ذلك المحفوظ إلى الفكروكثر وتلونت به النفس، وجاءت الملكة الناشئة منه في غاية القصور…الخ).
وللبري رقائق في التشبيب تنم عن طبيعة معتدلة ومزاج راقٍ، لنودعه وهو يقول:
سليمى شمس حسن فوق غصن من البلور تلعب بالتمادي
تخيّل خصرها والردف منها كمغتاظين قاما في جهاد
لها لحظ يغنّجه فتور كما شرك تنصّب للعباد
وتبسم حين تبسم عن لآلٍ منضدة وعن برد الفؤاد
تخال حديثها أقداح خمر تبهرج كل قلب بالوداد
تكاد من الرشاقة حين تبدو تطير مع الرياح بكل واد
***